
في مشهدٍ صادم لسكان العاصمة، استيقظت بغداد صباح اليوم على طبقة رمادية كثيفة من التلوث، تُخيّم على سمائها وتبثّ رائحة نفّاذة تُشبه الكبريت، ما أثار مخاوف بيئية وصحية متزايدة، وسط غموض طالما أحاط بمصادر هذه الانبعاثات، إلى أن كشفت خارطة رصد التلوث عن مفاجأة غير متوقعة.
خارطة التلوث: مركز الأزمة داخل المنطقة الخضراء
بحسب بيانات الرصد البيئي، سجّلت أجهزة قياس تلوث الهواء أعلى نسبة تلوث قرب المنطقة الدولية في المنطقة الخضراء، حيث بلغت المؤشرات 1045 درجة، وهو رقم يعادل 20 ضعف المعدل المسموح به عالميًا، بينما تراجعت النسب في مناطق أخرى مثل غرب بغداد (167)، وشرق بغداد وشارع فلسطين والقناة (174)، والدورة (217)، وفندق الرشيد (228)، ما يشير إلى أن المصدر الأبرز للتلوث يتركز قرب مستشفى ابن سينا والمنطقة الخضراء.
الخبير البيئي يُشخّص الأزمة: مزيج سام يهدد ملايين السكان
وفي تحذير مباشر، أكد الخبير البيئي ثائر يوسف أن التلوث الراهن لا يُعد حدثًا عابرًا بل هو نتيجة تراكمية لسلسلة من الانبعاثات السامة. وقال إن السبب الرئيس يعود إلى استخدام الوقود الثقيل عالي الكبريت في محطات توليد الكهرباء، ما ينتج عنه دخان محمّل بمركّبات كبريتية خطيرة.
وأضاف يوسف أن حرق النفايات في مطامر عشوائية، والانبعاثات المتصاعدة من معامل الطابوق والإسفلت، والاحتراق غير الكامل في محركات السيارات، كلها تساهم في رفع معدلات التلوث بشكل خطير. كما أشار إلى أن محطات تصريف المياه الثقيلة، مثل الرستمية، تُصدر أبخرة ضارة تتفاعل مع الظروف الجوية الحالية كالرطوبة العالية والانعكاس الحراري، فتكوّن سحبًا منخفضة محمّلة بالملوّثات تلامس الأحياء السكنية مباشرة.
وأكد أن هذه الانبعاثات ليست مزعجة فحسب، بل "سامة ومسرطنة" في بعض حالاتها، داعيًا إلى تشريع قوانين بيئية صارمة وتفعيل الرقابة الفعلية على مصادر التلوث.
تحذير رسمي: الوزارة تدق ناقوس الخطر وتوجّه فرقها
في استجابة عاجلة، أصدرت وزارة البيئة بيانًا مطوّلًا حذّرت فيه من "أي تراخٍ في مواجهة النشاطات الملوثة"، لاسيما عمليات الحرق الليلي العشوائي في أطراف بغداد. وأشارت إلى أن فرق الرقابة البيئية باشرت تحرّكات ميدانية منذ فجر اليوم، بالتنسيق مع قيادة عمليات بغداد، لضبط التجاوزات والبدء بإجراءات قانونية ضد المخالفين، خاصة في مناطق مثل معسكر الرشيد، حيث تم تسجيل عدة بؤر تلوّث نشطة.
وكشفت الوزارة عن نجاحها في إغلاق مئات المواقع المخالفة، من معامل طابوق وصهر ومعامل إسفلت، فضلًا عن متابعة استخدام الوقود الرديء في المولدات، مشددة على أن الظروف الجوية الحالية تسهم في احتجاز الغازات السامة قرب سطح الأرض، مما يفاقم من تأثيرها على المواطنين.
حلول مرتقبة... ولكن
أوضحت الوزارة أنها تعمل مع وزارات النفط، أمانة بغداد، محافظة بغداد، واتحاد الصناعات، على تنفيذ خطة للتحوّل نحو تقنيات حرق صديقة للبيئة، ودعت إلى الاستفادة من برامج القروض البيئية بالتنسيق مع البنك المركزي العراقي، لتحديث المنظومات الصناعية والتقليل من الانبعاثات بشكل جذري.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام