العراق بين أرقام الدين وواقع الاقتصاد: قراءة في مؤشرات الاستقرار ومصادر القلق

الاقتصاد نيوز - بغداد

في ظل تصاعد الجدل الإعلامي والمجتمعي بشأن واقع الدين العام في العراق، أكد البنك المركزي العراقي أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي لا تتجاوز 43%، وهي نسبة وصفها بأنها "معتدلة وضمن الحدود الآمنة" وفق المعايير الدولية، بينما تراوحت الآراء الاقتصادية بين من يراها مؤشراً إيجابياً ومن يضعها في دائرة القلق بسبب بنية الاقتصاد العراقي الأحادي المعتمد على النفط.

بيان البنك المركزي الصادر الأحد، جاء رداً مباشراً على موجة انتقادات وتحليلات وصفت بعض المؤشرات المالية بالمقلقة، مؤكداً أن العجز الفعلي في الموازنة العامة للسنوات 2023–2025 لم يتجاوز 35 تريليون دينار، أي بنسبة 18.2% فقط من العجز المخطط البالغ 191.5 تريليون دينار، وهو ما اعتبره البنك دليلاً على التنسيق العالي بينه وبين الحكومة في إدارة الدين العام وضبط الاستدانة.

الحكومة من جانبها شددت على أن هذه الأرقام تعكس "نجاحاً مالياً" في خفض العجز وتقليل الاعتماد على الاقتراض، في حين أن مجموع الديون الخارجية الواجبة السداد لا يتجاوز 13 مليار دولار، منها 4 مليارات تعود لما قبل 2003 وقد تمت جدولتها، مع التأكيد أن أكثر من نصف هذه الديون لا يستحق قبل 2028، في وقت يحافظ فيه العراق على سمعته الدولية من خلال عدم التخلف عن أي التزام خارجي.

لكن هذه الصورة التي تبدو مطمئنة لم تمر دون نقد، إذ يرى الباحث المصرفي والأكاديمي علي دعدوش أن نسب الدين، وإن بدت آمنة نظرياً، إلا أنها تبقى مقلقة في واقع اقتصادي يعتمد على مصدر واحد وهو النفط الخام، الذي لا يملك العراق التحكم في أسعاره. وأضاف أن ارتفاع الدين الداخلي إلى 91 تريليون دينار، معظمها داخل الجهاز المصرفي الحكومي، يشير إلى اعتماد الحكومة المتزايد على التمويل المحلي عبر سندات الخزينة والاقتراض من المصارف الحكومية، محذراً من آثار ذلك على السيولة المتاحة للقطاع الخاص ومعدلات التضخم، فضلاً عن إضعاف الإنفاق الاستثماري الحقيقي وزيادة عبء الفوائد المستقبلية.

في هذا السياق، أوضح مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية، مظهر محمد صالح، أن الديون الداخلية لا تمثل أكثر من 18% من إجماليات الدين التحوطي، وأنها خضعت لخطط دقيقة لإعادة هيكلتها بالتعاون مع شركات دولية، لتحويلها إلى أدوات استثمارية إنتاجية ضمن صندوق وطني، بهدف تحفيز الاقتصاد وتحويل الالتزامات إلى فرص تنموية.

ولم تغب عن المشهد مسألة الاحتياطي النقدي الذي وصفه دعدوش بـ"السيف ذي الحدين"، إذ يمتلك العراق احتياطات أجنبية تصل إلى 61 مليار دولار، منها 11 ملياراً في سندات أمريكية، تغطي أكثر من 9 أشهر من الاستيرادات، ما يعزز استقرار الدينار العراقي وثقة الأسواق، لكنه في الوقت نفسه، يجعل العراق عرضة لتقلبات السياسات المالية الأمريكية.

الحكومة، من جهتها، أعلنت أنها أكملت المرحلة الأولى من إعادة هيكلة الدين العام ورفعت توصيات لتحويل نحو 20 تريليون دينار إلى أدوات استثمارية، وتنتظر إقرارها في مجلس الوزراء، معتبرة ذلك نهجاً إصلاحياً جديداً يختلف عن السياسات السابقة التي اكتفت بتدوير الدين دون ربطه بالتنمية.

في المحصلة، وبينما تؤكد السلطات المالية أن البلاد تسير نحو استدامة مالية وإصلاح اقتصادي متدرج، تظل المخاوف قائمة من انكشاف الاقتصاد العراقي أمام تقلبات سوق النفط ومحدودية الإيرادات غير النفطية. وبين التفاؤل الرسمي والحذر الأكاديمي، تبدو المرحلة المقبلة اختباراً حقيقياً لقدرة العراق على تحويل مؤشرات الاستقرار النقدي إلى واقع اقتصادي منتج ومستدام.


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام


مشاهدات 162
أضيف 2025/10/20 - 10:09 AM