تواجه أسهم شركات الأدوية العالمية ضغوطاً متزايدة نتيجة تطورات مزدوجة تتمثل في التهديدات الجديدة بفرض رسوم جمركية أميركية، وسعي الإدارة الأميركية إلى إعادة هيكلة نظام الرعاية الصحية الأكبر والأكثر ربحية في العالم.
فعلى الرغم من أن منتجات الأدوية مشمولة ضمن اتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ما هدّأ المخاوف لبعض الوقت، فإنها لم تُستثنَ من الرسوم الجمركية الأميركية الأخيرة بنسبة 39% المفروضة على واردات سويسرا، وهي دولة تُصدّر نحو 40% من إنتاجها الدوائي إلى الولايات المتحدة، وبينما لم تشمل الرسوم حتى الآن الأدوية، فإن غموض المشهد التجاري قد يؤدي إلى تغييرات مفاجئة في أي وقت.
ويعود هذا القلق إلى ما يُعرف بـ«القسم 232» من قانون توسيع التجارة الأميركي، والذي يتيح للرئيس فرض قيود على الواردات إذا اعتُبرت تهديداً للأمن القومي، ووفقاً لمسؤولين في وزارة التجارة، فُتح تحقيق مؤخراً للنظر في ما إذا كانت المنتجات الدوائية تندرج ضمن هذا التهديد، مع توقعات بإعلان رسمي في الأسابيع المقبلة.
وكانت إدارة الرئيس دونالد ترامب قد أشارت في مايو إلى إمكانية فرض رسوم بنسبة 25%، لتتحدث لاحقاً في يوليو عن احتمال بلوغها 200% خلال 12 إلى 18 شهراً.
تهديد لسلاسل التوريد وتوفر الأدوية
في هذا الإطار، حذرت «الاتحاد الأوروبي لصناعات الأدوية» من أن فرض مثل هذه الرسوم سيُعطّل سلاسل التوريد، ويؤثر سلباً على الاستثمار في البحث والتطوير، ويقلل من فرص حصول المرضى على الأدوية في جانبي الأطلسي.
إصلاح جذري لنظام الرعاية الصحية الأميركي
وفي سياق منفصل، تمضي الإدارة الأميركية قدماً في مشروع إصلاح جذري لمنظومة الرعاية الصحية، والتي تمثل 16.6% من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي، مقارنة بـ9.2% فقط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ويُعد هذا التفاوت غير مستدام، خاصة في ظل النتائج الصحية المحدودة التي تحققها المنظومة رغم كلفتها المرتفعة، وهو ما يعزز التوقعات بتغييرات عميقة تطال شركات الأدوية.
ورغم أن الأدوية لا تمثل سوى 9% من إجمالي الإنفاق الصحي في الولايات المتحدة، وفقاً لـ«مراكز الرعاية الصحية والخدمات الطبية»، فإن النظام المُعقّد يُلقي بثقله على شركات الأدوية، وسط غموض في القوانين وتغيرات محتملة في أنظمة التسعير.
وفي خطوة تصعيدية، وجّه الرئيس ترامب أواخر يوليو رسائل إلى 17 شركة أدوية عالمية لحثها على خفض الأسعار، محدداً مهلة حتى 29 سبتمبر لتنفيذ تخفيضات محددة، إلى جانب إطلاق نظام «البيع المباشر للمستهلك»، الذي يتجاوز دور الوسطاء من شركات إدارة منافع الصيدلة، ويُنظر إلى هذا النظام كفرصة لتحسين الكفاءة، وتقليل التكاليف، ما قد يصبّ في مصلحة المرضى، حتى لو قلّص هوامش الربحية.
مخاطر تنظيمية وتغيرات داخل هيئة الدواء الأميركية
ومع ذلك، يواجه القطاع تحديات تنظيمية أخرى، منها التغيرات في «هيئة الغذاء والدواء الأميركية» (FDA) التي تعاني من تقليص الوظائف، ما يهدد بإبطاء عمليات الموافقة على الأدوية الجديدة، وهو عامل حاسم يؤثر على الحصرية الزمنية والمبيعات المحتملة.
وفي محاولة للاستجابة للتغيرات، أعلنت شركات أدوية كبرى عن استثمارات بمليارات الدولارات داخل الولايات المتحدة، لكن تنفيذ هذه الخطط سيستغرق سنوات، ويظل إنتاج الأدوية الجنيسة – الذي يتم بمعظمه في الصين والهند – أكثر عرضة لمخاطر الرسوم والقيود، ما يدفع المنتجين إلى تنويع سلاسل الإمداد ورفع التكاليف التشغيلية.
سويسرا تحت المجهر: آثار مباشرة على الاقتصاد
وتبقى سويسرا الأكثر عرضة للتأثر، لا سيما إذا فُرضت رسوم محددة على صادرات الأدوية، وفي ظل هذه المخاطر، خفّضنا توقعات النمو الاقتصادي السويسري لعام 2025 إلى 0.9% بدلاً من 1.1%، في ظل استمرار الغموض بشأن العلاقات التجارية مع واشنطن، وإذا نجحت سويسرا في التفاوض على رسوم لا تتجاوز 15%، قد يتمكن «المصرف الوطني السويسري» من الحفاظ على سعر فائدة صفري، أما إذا تأكدت الرسوم بنسبة 39%، فقد يُضطر إلى العودة إلى أسعار الفائدة السلبية.
تقييمات منخفضة تفتح أبواب الفرص الانتقائية
في ضوء هذه التحديات، لا تُعد الرعاية الصحية من القطاعات المفضلة لدينا للاستثمار حالياً، ومع ذلك، فإن التقييمات المنخفضة توفر فرصاً انتقائية، إذ يتم تداول شركات الأدوية العالمية الكبرى حالياً بمعدل 12.4 مرة للأرباح، أي بخصم نسبته 18% مقارنة بمتوسط السنوات العشر الأخيرة، ونرى فرصاً في شركات تمتلك خطوط إنتاج قوية في مجالي الأدوية والبيوتكنولوجيا، والتي يمكن أن تحقق نمواً مستقلاً عن الظروف الحالية، كذلك قد تشهد أسهم شركات الأدوية السويسرية انتعاشاً إذا تبلورت صورة أوضح بشأن الرسوم التجارية.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام