قلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب الموازين في وقت كانت فيه التوقعات تميل نحو انهيار اقتصادي وشيك وتصعيد تجاري خارج السيطرة، نقلاً عن تحليل ديفيد غولدمان من الـCNN.
فقد نجح، إلى حد ما، في فرض واقع تجاري جديد على شركاء أميركا من دون أن تُصاب الأسواق بالذعر أو أن تتفجر موجة تضخم عنيفة كما خشي كثيرون.
لكن هذا «الانتصار» السريع في حرب الرسوم الجمركية بدأ يتعرض لهجمات متعددة من الداخل والخارج، وهو ما يهدد بتقويض ما حققه ترامب خلال الشهور الماضية.
منذ أن أطلق ترامب جولته الجديدة من الحروب التجارية، ارتفعت إيرادات الجمارك إلى مستويات غير مسبوقة، متجاوزة حقبة «سموت هاولي» في ثلاثينيات القرن الماضي، في حين بقيت معدلات التضخم تحت السيطرة نسبياً.
وافق عدد من الشركاء التجاريين، من بينهم الاتحاد الأوروبي وبعض دول آسيا، على فتح أسواقهم لسلع أميركية، وخفّضوا حواجز غير جمركية مثل ضرائب الخدمات الرقمية، مع إبقاء رسومهم على الصادرات الأميركية شبه معدومة.
غير أن هذا التقدم بدأ يتلاشى بسرعة.
أوروبا تتراجع عن الاتفاق
عاد الاتحاد الأوروبي الذي سارع إلى توقيع اتفاق تجاري مع واشنطن قبل مهلة 1 أغسطس آب التي فرضها ترامب، ليشكّك في جدوى الاتفاق.
ووصف رئيس وزراء فرنسا اليوم الذي وُقع فيه الاتفاق بأنه «يوم أسود»، فيما اعتبر نظيره البلجيكي أن "حماية ترامب الاقتصادية مجرد وهم"، وعبّر رئيس لجنة التجارة في البرلمان الأوروبي عن عدم رضاه، مؤكداً أن الاتفاق غير كافٍ.
تكشف هذه التصريحات هشاشة الاتفاق، إذ ما زالت دول الاتحاد الـ27 في طور التفاوض على تفاصيل الإطار التجاري، ما يعني أن انهيار التفاهم وارد في أي لحظة.
كندا تلوّح بالتصعيد
أما المحادثات التجارية مع كندا، أحد أبرز الشركاء التجاريين لأميركا، فدخلت إلى طريق مسدود، فعلى الرغم من تراجع أوتاوا عن فرض ضريبة على الخدمات الرقمية، استمر ترامب في التهديد بفرض رسوم جديدة على سلع كندية، بينها الخشب.
ورغم أن اتفاق الولايات المتحدة، والمكسيك، وكندا USMCA لا يزال سارياً، فإنه يغطي فقط نحو نصف صادرات كندا إلى أميركا.
وإذا مضى ترامب في فرض رسوم جديدة، فإن كلفة هذه السلع سترتفع على المستهلكين الأميركيين في الأشهر المقبلة.
الصين.. الهدنة على الحافة
تستهدفالجولة الثالثة من المفاوضات بين واشنطن وبكين الإبقاء على التجميد المتبادل للرسوم الجمركية المرتفعة، لكن التقدم الفعلي محدود جداً.
ويطالب ترامب بتسريع إمدادات المعادن النادرة، بينما تضغط الصين للوصول إلى مزيد من أشباه الموصلات الأميركية.
غير أن الإدارة الأميركية تصف موقف الصين بالمتباطئ، وتقول إنها لم تفِ بوعودها السابقة، خصوصاً في ما يتعلق بفتح السوق أمام البضائع الأميركية.
ومع أن نبرة ترامب تجاه الصين خفتت في الأشهر الماضية، إلا أن الهُدنة بين البلدين لا تزال معلّقة على خيط رفيع.
حكم قضائي مرتقب قد يقلب الموازين
الضربة الأهم قد تأتي من الداخل، إذ تستعد محكمة استئناف أميركية هذا الأسبوع للنظر في قرار سابق يشكك في قانونية الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب بموجب «قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة».
وإذا خسرت الإدارة القضية، فقد تُقيَّد قدرة ترامب على فرض الرسوم مستقبلاً من دون موافقة الكونغرس.
الخيارات البديلة ستكون أقل تأثيراً، إذ سيسمح القانون للرئيس بفرض رسوم بنسبة لا تتجاوز 15% ولمدة لا تتعدى 150 يوماً، ما يعني تقليص قدرة ترامب على المناورة.
مؤشرات مقلقة في الاقتصاد الأميركي
ورغم أن الاقتصاد الأميركي لا يزال قوياً، مع مبيعات تجزئة متصاعدة وسوق عمل متينة وثقة مستهلك مرتفعة، بدأت تظهر إشارات خفية على ارتفاع التضخم في بعض القطاعات المتأثرة بالرسوم، مثل الملابس والأدوات المنزلية والألعاب.
وصرّحت شركات كبرى مثل وولمارت وبروكتر آند غامبل بأنها سترفع الأسعار بسبب ارتفاع كلفة الاستيراد، بينما تكبدت شركات صناعة السيارات مثل جنرال موتورز وفولكسفاغن وستيلانتيس رسوماً جمركية تجاوزت مليار دولار لكل منها في الربع الأخير.
ويتوقع خبراء الاقتصاد أن ترتفع معدلات التضخم تدريجياً في النصف الثاني من العام، مع نفاد مخزونات السلع غير المتأثرة بالرسوم، ما يهدد بعودة القلق الشعبي من موجة ارتفاع أسعار جديدة.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام