النفط مقابل الرواتب: مفاوضات بغداد وأربيل تدخل مرحلة الحسم والتهريب "عائق" الاتفاق

تسعى حكومتا الاتحادية وإقليم كردستان إلى التوصّل لاتفاق نهائي بشأن ملف تصدير النفط، في خطوة تهدف إلى إنهاء الجمود القائم منذ أكثر من عام، نتيجة توقف صادرات النفط من الإقليم عبر ميناء جيهان التركي.

ويأتي ذلك في ظل مساعٍ لتسوية الخلافات المالية والفنية المتعلقة بكميات الإنتاج، وآليات التصدير، وتكاليف التشغيل، إلى جانب ديون الشركات العاملة في الإقليم.

ويحمل هذا الملف أبعادًا سياسية واقتصادية حساسة، خاصة في ظل اتهامات بالتهريب، وتباين في وجهات النظر حول إدارة الموارد الطبيعية. ويتزامن الحوار الحالي مع إشارات إيجابية من الطرفين توحي بإمكانية الوصول إلى صيغة توافقية شاملة، من شأنها أن تضمن استئناف التصدير، وتسوية الرواتب، وتحقيق قدر من الاستقرار المالي بين بغداد وأربيل.

ووصل وفداً من حكومة إقليم كردستان إلى بغداد لإجراء محادثات مع المسؤولين العراقيين بشأن مسودة الاتفاق بين الجانبين.

ويتألف الوفد من وزير الثروات الطبيعية بالوكالة كمال محمد، وأمين سر مجلس الوزراء أمانج رحيم، ورئيس مكتب التنسيق والمتابعة عبد الحكيم خسرو.
 
يأتي توجّه هذا الوفد في الوقت الذي أعدّت فيه بغداد مسودة نهائية للاتفاق على إعادة تصدير النفط، وتنتظر رد أربيل، التي من المقرّر أن ترد اليوم.
 
وكان مصدر مطّلع على مفاوضات بغداد وأربيل، قد أفاد، بأن مسودة الاتفاق الخاصة بتسليم وتصدير النفط باتت في مراحلها النهائية، مشيراً إلى أن التعديل الأبرز في الاتفاق يتمثل في تسليم كامل النفط المنتج مقابل قيام الحكومة الاتحادية بتأمين احتياجات إقليم كوردستان من المنتجات النفطية.
 
وأشار إلى أن مسودة الاتفاق تنص على إرسال وفد من وزارة النفط العراقية إلى الإقليم لغرضين: أولاً، تحديد مستوى الإنتاج النفطي الفعلي، وثانياً، تقييم حجم الاحتياجات المحلية من المنتجات النفطية مثل النفط الأبيض والبنزين وزيت الغاز، والتي ستتولى الحكومة الاتحادية توفيرها وفق الاتفاق.
 
تجدر الإشارة إلى أن تصدير نفط إقليم كردستان عبر ميناء جيهان التركي متوقّف منذ (25 آذار 2023)، بينما دخل تعديل قانون الموازنة حيّز التنفيذ في 17 شباط بهدف تذليل العقبات أمام استئناف هذه الصادرات.
 
بموجب التعديل، ستتولى شركة استشارية تقييم تكاليف استخراج ونقل نفط إقليم كردستان. وإلى حين الانتهاء من هذا التقييم، ستقوم بغداد مؤقتاً بدفع 16 دولاراً لكل برميل إلى الشركات النفطية كتكلفة تشغيل.
 
في هذا الصدد، كشف مسؤول في إحدى شركات النفط العاملة في إقليم كوردستان أن الشركات قدّمت في 2 تموز مقترحاتها رسمياً إلى حكومة إقليم كردستان، والتي أحالتها بدورها إلى بغداد. وقد تضمّنت هذه المقترحات ثلاثة مطالب رئيسية:
 
وتتمثّل المطالب في: أولاً، أن تكون الـ16 دولاراً المخصصة لتكاليف الاستخراج والنقل مؤقتة ولمدة 90 يوماً فقط، وهي المهلة التي يُفترض أن تنهي فيها الشركة الاستشارية أعمالها. ثانياً، الحفاظ على محتوى العقود الموقعة مع الشركات، مع اعتماد النسبة المنصوص عليها فيها كأساس للاستحقاقات المالية، بدلاً من تحديد مبلغ ثابت. ثالثاً، معالجة الديون المتراكمة على الحكومة، والتي تزيد على 900 مليون دولار، وتحميل أحد الطرفين، أربيل أو بغداد، مسؤولية تسديدها.

وبهذا الصدد، كشف القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، وفا محمد عن عقد اجتماعات مهمة خلال اليومين المقبلين داخل مجلس وزراء الحكومة الاتحادية لمناقشة ملف صرف رواتب شهر أيار لموظفي إقليم كردستان، في ظل التقدم المحرز في تنفيذ التزامات الإقليم تجاه الحكومة الاتحادية.

وأوضح محمد خلال حديثه لـ"الاقتصاد نيوز" أن حكومة إقليم كردستان أبدت تعاونًا واضحًا، لاسيما فيما يخص الالتزام بالتعرفة الكمركية وتطبيق الرقابة الإلكترونية على جميع المنافذ الحدودية، وهو ما وافقت عليه حكومة الإقليم، إلى جانب التزامها بتحويل نسبة من الإيرادات.

وفيما يخص الملف النفطي، أشار إلى أن الأمر لا يتعلق بحكومة الإقليم مباشرة، بل يرتبط بالشركات العاملة في القطاع مثل منظمة "بيكور"، والتي تطالب بضمانات قانونية لتسوية ديونها المتراكمة قبل استئناف تصدير النفط.

وأضاف القيادي في حزب بارزاني أن حكومة الإقليم بدأت مفاوضات مع تلك الشركات بهدف إعادة تصدير النفط، ومن المتوقع – في حال استئناف تصدير 400 ألف برميل يوميًا – أن تحصل الحكومة الاتحادية على 280 ألف برميل، مقابل 120 ألف برميل تخصص للمشتقات الداخلية من نفط وبنزين وكاز.

وأكد أن حكومة إقليم كردستان مستعدة لتسليم الملف النفطي بالكامل إذا ما قامت الحكومة الاتحادية بتوفير جميع المشتقات النفطية للإقليم، مشددًا على أن الإقليم أوفى بجميع المطالب المالية والنفطية لبغداد، ولم تعد هناك أي حجة لقطع الرواتب.

ومن المرتقب أن تُحسم هذه الملفات خلال اليومين القادمين في مجلس الوزراء، بما يمهد لحل دائم وعادل لملف الرواتب واستقرار العلاقات المالية بين الطرفين.

الى ذلك، كشف عضو لجنة النفط والغاز النيابية، علاء الحيدري، عن وجود عمليات تهريب يومية لنحو 180 ألف برميل من النفط الخام من إقليم كردستان.

وقال الحيدري أن هذه العمليات تُلحق ضررًا اقتصاديًا كبيرًا بالعراق وتكلّفه قرابة 4 مليارات دولار سنويًا، في وقت نفى فيه بشكل قاطع وجود أي تهريب من مناطق الجنوب.

وأضاف: في أعقاب قرار محكمة باريس الدولية، الصادر في 25 آذار 2023، والقاضي بإيقاف صادرات النفط من الإقليم عبر ميناء جيهان التركي، توقفت الصادرات رسميًا، مضيفًا أن القرار جاء بعد دعوى رفعتها وزارة النقل العراقية ضد الاتفاق النفطي غير الشرعي بين حكومة الإقليم وتركيا، واستمرت المداولات في المحكمة لعدة سنوات قبل أن يُحسم الأمر لصالح العراق.

وأوضح أن التصدير عبر جيهان توقّف بالفعل، إلا أن عمليات الإنتاج استمرت، وبدأ النفط يُهرّب بطرق غير قانونية، من خلال الصهاريج ووسائل نقل أخرى، بعيدًا عن رقابة الحكومة الاتحادية.

وأضاف الحيدري أن منظمة أوبك أبلغت وزارة النفط الاتحادية بوجود زيادة في كميات النفط العراقي المعروضة في الأسواق العالمية، بناءً على ما وصفتها بـ(المصادر الثانوية)، مبينًا أن الوزارة باشرت تحقيقًا موسعًا لمعرفة مصدر الزيادة.

وتابع: الوزارة دققت في الجنوب ومناطق الوسط، ولم تسجّل أي تجاوزات أو زيادة غير مبررة في الإنتاج، بفضل الرقابة الصارمة والقياسات الدقيقة"، مؤكدًا: لا يوجد تهريب في الجنوب على الإطلاق، وأتحدى من يثبت العكس بدليل واحد فقط".

وتطرق الحيدري إلى تأثير ذلك على أسعار البيع، موضحًا أن العراق كان يبيع النفط رسميًا بسعر يقارب 70 دولارًا للبرميل بالتنسيق مع أوبك، لكن النفط المُهرّب يُباع بأقل من هذا السعر، خاصة بعد فرض الإدارة الأمريكية السابقة رسومًا أدت إلى انخفاض السعر إلى ما دون الستينات".

وأضاف: الحكومة تحركت بالاتجاه الصحيح من خلال تعديل المادة 12 من قانون الموازنة، والتي واجهت اعتراضًا من بعض نواب الإقليم، مشيرًا إلى أن التعديل ينص على تحديد كلفة إنتاج البرميل في الإقليم، التي كانت تُحتسب بـ16 دولارًا، بينما اقترح الاستشاري سعرًا جديدًا يتراوح بين 20 إلى 23 دولارًا.

وأكد الحيدري أن القانون ينص على أن تتولى شركة (سومو) الإشراف على عمليات إنتاج وتصدير النفط، وأن تُودع العائدات في الخزينة العامة ضمن حسابات وزارة المالية الاتحادية.


الى ذلك، الى ذلك، أكّد الخبير في الشأن الاقتصادي الدكتور مصطفى حنتوش، أن ملف مستحقات إقليم كردستان وتصدير النفط يتطلب مرونة أكبر من جانب حكومة الإقليم، خاصة بعد التعديلات التي أدخلتها الحكومة الاتحادية على المادة 12 من قانون الموازنة الاتحادية.

وأوضح حنتوش أن تعديل المادة أدى إلى ارتفاع متوسط سعر برميل النفط المصدر من الإقليم من 8 دولارات إلى ما بين 16 و 22 دولاراً، إلا أن اللجنة الفنية المختصة لم تُشكّل حتى الآن، مما يعيق تسوية مستحقات الشركات النفطية المتعاقدة مع الإقليم.

وأضاف أن هذه الشركات يجب أن تحضر إلى بغداد وتعرض أعمالها أمام الجهات الرسمية لضمان صرف مستحقاتها، مشيرًا إلى أن الإقليم لا يسلّم مبالغ تصدير النفط إلى بغداد، بل تُخصم تلك المبالغ من حصته في الموازنة ويتم تحويل المتبقي له.

وأشار حنتوش إلى أن منظمة "أوبك" قامت بخصم 175 ألف برميل يوميًا من حصة العراق، نتيجة عمليات تهريب نفط من إقليم كردستان، معتبرًا أن هذا التهريب يُلحق ضررًا مباشرًا بالحكومة الاتحادية.

وشدد الخبير الاقتصادي على أهمية التوصل إلى اتفاق متوازن بين بغداد وأربيل، داعيًا حكومة الإقليم إلى اعتماد مقاربة فنية مالية تقوم على العدالة والاستدامة بدلاً من البحث عن مكاسب ذات طابع سياسي.

وفي ختام حديثه، أثنى حنتوش على الجهود التي تبذلها اللجان الفنية في مجلس النواب لمعالجة الأزمة، مؤكدًا أن الضغط السياسي على هذه المسارات الفنية أمر غير مقبول ويُعقّد الحلول الواقعية والدائمة.


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام


مشاهدات 423
أضيف 2025/07/07 - 7:50 PM