أين تكمن المشكلة؟ الجواب يكمن في السياسة، لا في التكنولوجيا. العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، وتسلط واشنطن على النظام المصرفي في العراق، وهما العائقان الرئيسيان أمام التنفيذ الفعلي لهذا العقد. إذ إن الأموال الناتجة عن صادرات الغاز الإيراني مجمدة في البنك التجاري العراقTBI.ولا تستطيع إيران أن تسحبها. حتى إن رئيس مجلس الوزراء العراقي قد أقر بأن ديون العراق لإيران من واردات الغاز قد بلغت 11 مليار يورو[2]، وهي متراكمة في هذا البنك. وفي مثل هذه الظروف، تتراجع رغبة إيران في تصدير الغاز إلى العراق، وتحت وطأة هذه العقوبات والضغوط تفضل طهران استهلاك الغاز في الصناعات الداخلية مثل البتروكيماويات والصلب، وتصدير المنتجات النهائية إلى الأسواق العالمية، وهو نهج يوفر عائدا نقديا أكبر ويقلل من المخاطر السياسية.
ومن اللافت أن العراق، في سعيه إلى إيجاد بديل عن إيران، اتجه إلى تركمانستان، لكن مسار انتقال غاز التركمانستاني يمر عبر الأراضي الإيرانية، وبالتالي يتعين على العراق دفع تكلفة شراء الغاز بالإضافة إلى رسوم عبوره من إيران. وينتج عن هذا زيادة تكاليف الطاقة وضغط أكبر على الميزانية العامة وعلى الشعب العراقي.
النقطة الرئيسية في هذه الأزمة هي أن السياسة قد حلت محل التنمية. في حين كان من الممكن تعزيز أمن الطاقة، وتحقيق مصالح اقتصادية مشتركة، ورفع مستوى رفاه الشعب من خلال تجارة الغاز الإقليمية، اليومبسبب العقوبات الاقتصادية والعراقيل الأمريكية، لا يزال الشعب العراقي يعاني من الانقطاعات المتواصلة في التيار الكهربائي.
إذا تحرر مسار التفاعل بين إيران والعراق من الضغوطات السياسية الخارجية، فإن البلدين لن يتمكنا فقط من تجاوز أزمة الكهرباء، بل سيتمكنان من تأسيس نموذج ناجح للتعاون الإقليمي في مجال الطاقة. ولكن ما دامت واشنطن هي من يضع قواعد اللعبة، فيبدو أن ليس فقط مصابيح منازل العراقيين ستبقى مطفأة، بل فرص التنمية الإقليمية ايضا ستبقى مطفأة.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام