في تطور لافت على صعيد العلاقات الاقتصادية الدولية، شهدت الساحة العالمية مؤشرات جديدة على تهدئة التوترات بين الولايات المتحدة والصين، في خطوة قد تعيد رسم ملامح المشهد التجاري العالمي.
اتخذ البلدان إجراءات وصفت بأنها تحول نوعي في مسار المواجهة التجارية التي استمرت لسنوات، ما فتح الباب أمام مرحلة جديدة من الحوار الاقتصادي وفرص التفاهم، في ظل تحديات تضخمية وتباطؤ عالمي يفرض على القوى الكبرى البحث عن أرضية مشتركة.
اتفقت الولايات المتحدة والصين، الاثنين على تعليق معظم الرسوم الجمركية على سلع بعضهما البعض مؤقتاً، في خطوة وصفها تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية، بأنها تظهر ذوباناً كبيراً للتوترات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.
وتعتبر الكاتب الصحافية الصينية، ياي شين هوا، لدى حديثها مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن التوصل لاتفاق بين الصين والولايات المتحدة يؤكد أن الحوار بين البلدين "لم يعد مجرد حديث فارغ بدون نتائج"، بل بدأ يتجه نحو الواقعية، ما يوفر منصة تواصل مهمة لحل القضايا الاقتصادية والتجارية، ويساعد على تقليل سوء الفهم وسوء التقدير، وتجنب تصعيد المشكلات.
وبالنظر إلى تأثير الاتفاق المحتمل على المستوى الدولي، تشير شي لدى حديثها مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى وصف صندوق النقد الدولي هذه الآلية بأنها "نموذج جديد لحوكمة التجارة العالمية"، لافتة إلى أن الرأي العام الدولي يعتبر الآن أن هذه المفاوضات هي أهم لحظة تهدئة في العلاقات الصينية الأميركية منذ توقيع المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري في عام 2020.
وتضيف: "إذا تم تنفيذ نتائج هذه المفاوضات، فإنها ستضخ أكثر من 1.2 تريليون دولار من الزخم في الاقتصاد العالمي، مما سيكون له أهمية كبرى في تعزيز التعافي الاقتصادي العالمي".
وقال ويليامز: "ومع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تفرض رسوما جمركية أعلى بكثير على الصين مقارنة بالدول الأخرى، ويبدو أنها لا تزال تحاول حشد الدول الأخرى لفرض قيود خاصة بها على التجارة مع الصين".
وأضاف أنه "في ظل هذه الظروف، لا يوجد ما يضمن أن الهدنة التي استمرت 90 يوما ستؤدي إلى وقف إطلاق نار دائم".
في غضون ذلك، قال كبير استراتيجيي السوق في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى جي بي مورغان لإدارة الأصول، تاي هوي، إن حجم خفض الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين كان أكبر من المتوقع. وأفاد في مذكرة بحثية: "هذا يعكس إدراك الجانبين للواقع الاقتصادي المتمثل في أن الرسوم الجمركية ستؤثر على النمو العالمي وأن التفاوض هو الخيار الأفضل للمضي قدما". وأضاف أن "فترة الـ90 يوماً قد لا تكون كافية للجانبين للتوصل إلى اتفاق مفصل، لكنها تبقي الضغط على عملية التفاوض".
وأشار هوي إلى أن المستثمرين ما زالوا ينتظرون مزيدا من التفاصيل بشأن شروط تجارية أخرى، مثل ما إذا كانت الصين ستخفف القيود المفروضة على تصدير المعادن الأرضية النادرة.
ارتفعت العقود الآجلة لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 وناسداك بنسبة 2.7 بالمئة و3.7 بالمئة على التوالي. وارتفع الدولار الأميركي بنسبة 1 بالمئة مقابل سلة من العملات، وارتفعت قيمة الرنمينبي. وانخفض الذهب بنسبة 2.8 بالمئة. وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت بنسبة 2.8 بالمئة لتصل إلى 65.71 دولارًا للبرميل.
وإلى ذلك، قام المتداولون بتقليص رهاناتهم على خفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة مع تحسن التوقعات بشأن أكبر اقتصاد في العالم بسبب احتمالات صدور أخبار أفضل بشأن التجارة.
وقال كبير استراتيجيي السوق في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى جي بي مورغان لإدارة الأصول، تاي هوي: "سواء كان ذلك كافيا لبدء الاستثمار أو استعادة زخم النمو، أعتقد أننا بحاجة إلى مزيد من الوقت"، مضيفاً أنه لا يزال هناك عدم وضوح بشأن الهدف النهائي لإدارة ترامب فيما يتعلق بالمفاوضات التجارية.
لكن على الجانب الآخر، يبدو أن بعض مديري صناديق الاستثمار أقل اقتناعاً بأن اتفاق التعريفات الجمركية يشكل خبراً طيباً تماماً للأسواق المالية. وقال تريفور جريثام، رئيس الأصول المتعددة في شركة رويال لندن لإدارة الأصول: "أظن أن الأمر سينتهي مثل الصفقة البريطانية، أي إلى تراجع... ولكن إلى نقطة نهاية أسوأ مما توقعته الأسواق في فبراير". وأضاف -في التصريحات التي نقلتها عنه الصحيفة البريطانية- أن ذلك قد يكون "اتفاقية تجارية أخرى من شأنها أن تزيد التجارة سوءا".
ويشير إلى أن هذا التطور، الذي أُعلن عنه خلال اليوم وأمس، يمثل خطوة مهمة نحو استقرار الأسواق العالمية، وقد بدأت التأثيرات الإيجابية بالظهور فوراً، حيث شهدت الأسواق المالية ارتفاعات ملحوظة، مضيفاً أن تخفيض الرسوم أو تعليقها سيسهم في تخفيف الضغط على سلاسل التوريد العالمية، لا سيما في القطاعات الحيوية مثل التكنولوجيا والطاقة، مما سينعكس على خفض تكاليف الإنتاج وتحسين كفاءة التوزيع على المستوى الدولي.
ويتابع الشوبكي قائلاً إن الاتفاق أدى إلى ارتفاع في أسعار النفط، حيث صعد خام "برنت" إلى أكثر من 65 دولاراً، نتيجة توقعات بزيادة الطلب العالمي. ومع ذلك، فإن أسعار سلع أخرى قد تشهد تراجعاً نتيجة لانخفاض الرسوم المتبادلة.
ويؤكد أن هذا التحسن في الأوضاع الاقتصادية قد يدفع البنوك المركزية، وعلى رأسها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، إلى إعادة النظر في سياساتها النقدية، وربما تقديم موعد خفض الفائدة إلى يونيو بدلاً من يوليو.
ويختتم حديثه بالإشارة إلى أن التوترات الهيكلية بين البلدين، مثل قضايا حقوق الملكية الفكرية، لا تزال قائمة، غير أن الاتفاق يشكل خطوة إيجابية نحو التهدئة وإعادة النظر في هذه الملفات. كما يشدد على ضرورة استمرار الحوار بين الصين والولايات المتحدة لضمان استقرار اقتصادي طويل الأمد وتجنب العودة إلى النزاعات التجارية التي قد تسبب اضطرابات عالمية.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام