أن تكون إبن أرض الأحلام والفرص، من الطبيعي أن يحالفك النجاح إذا ما اجتهدت وسلكت طريق الصبر والاجتهاد في بلاد الحلم الأميركي، رغم كل الظروف التي تدعو إلى التشاؤم والضعف.
هكذا لطالما آمن المستثمر الأميركي وارن بافيت، رئيس مجلس إدارة بيركشاير هاثاواي، بأميركا، حتى عندما تردد مستثمرون آخرون. ولا يزال هذا التفاؤل قوياً لدي رجل الأعمال الذي على وشك التنحي عن إدارة واحدة من أهم الشركات في العالم.
في الاجتماع السنوي لمساهمي بيركشاير هاثاواي الأخير، أشار أحد الحضور إلى أنه في مواجهة "تغييرات جوهرية وربما ثورية"، قد يفقد المستثمرون ثقتهم بالبلاد التي صنعت ثروة بافيت الطائلة، البالغ من العمر 94 عاماً.
"برأيك، هل يُفرط المستثمرون في التشاؤم بشأن الاقتصاد الأميركي؟ أم أن البلاد تدخل بالفعل مرحلة تغيير جذري تتطلب إعادة تقييم من منظور جديد؟" سأل أحد الحضور، عبر مراسلة CNBC بيكي كويك.
نحن دائماً في طور التغيير، ودائماً ما نجد ما ننتقده في البلاد. لكن أسعد يوم في حياتي هو يوم ولادتي، لأنني وُلدت في الولايات المتحدة، قال بافيت. "في ذلك الوقت، كانت نسبة الولادات في الولايات المتحدة تُقدر بحوالي 3% من إجمالي الولادات في العالم. كنت محظوظاً، وكنت محظوظاً أيضاً لأنني وُلدت أبيض البشرة، من بين أمور أخرى."
لماذا لا يزال بافيت يراهن على الولايات المتحدة؟
هذه ليست المرة الأولى التي يشعر فيها المستثمرون الأميركيون بالقلق بشأن مستقبل بلادهم على المدى الطويل. فعلى سبيل المثال، خلال الأزمة المالية 2007-2009، هجر المستثمرون الأسهم الأميركية، مما أدى إلى انخفاض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بأكثر من 50%.
في عام 2008، كتب بافيت رسالة إلى صحيفة نيويورك تايمز. وكان عنوانها: "اشترِ الأسهم الأميركية. أنا سأفعل".
مع أن بافيت أقر بأنه لا يعلم إلى أين ستتجه أسعار الأسهم على المدى القصير، إلا أنه أعرب عن ثقته بأن الأسهم الأميركية ستستأنف في النهاية مسارها الصعودي التاريخي.
كتب: "إن المخاوف بشأن الازدهار طويل الأمد للعديد من الشركات الوطنية السليمة لا أساس لها من الصحة". "ستعاني هذه الشركات بالفعل من تراجع في الأرباح، كما حدث دائماً. لكن معظم الشركات الكبرى ستحقق أرقاماً قياسية جديدة في الأرباح بعد 5 و10 و20 عاماً من الآن".
قد ينظر المستثمرون إلى المناخ الاقتصادي والسياسي الحالي ويتوقعون أن تشهد البلاد تغيراً جذرياً. أما من استثمر لفترة طويلة مثل بافيت، فيمكنه أن يبدأ في رؤية حتى التقلبات الجذرية ليست صدمة، بل كأمر ثابت.
في يوم إعلانه تنحيه عن إدارة شركته بيركشاير هاثاواي، قال بافيت: "إذا كنت لا تعتقد أن الولايات المتحدة قد تغيرت منذ ولادتي عام 1930، فأنت لا تُنتبه".
وتابع "لقد مررنا بتجارب متنوعة - ركود اقتصادي كبير، وحروب عالمية، وتطوير القنبلة الذرية - لم نحلم بها أبداً عندما ولدت. لذلك لن أشعر بالإحباط من حقيقة أننا لم نحل جميع المشاكل التي واجهتنا".
هذا لا يعني أن الولايات المتحدة لا تواجه بعض المخاوف على المدى القريب. فبينما لم ينتقد بافيت الإدارة الحالية صراحةً، إلا أنه حذّر من فرض الرسوم الجمركية، على سبيل المثال، قائلاً إن مثل هذه السياسة التجارية قد تُعتبر "عملاً حربياً".
وقال: "لا أعتقد أنها صواب ولا حكيمة. كلما ازداد ازدهار بقية العالم، لن يكون ذلك على حسابنا - بل سنزداد ازدهاراً وسنشعر نحن وأطفالكم بأمان أكبر يوماً ما".
ومع ذلك، لم يُبدِ استعداده للتخلي عن فرصة العيش والاستثمار في أميركا. وقال: "لو كنتُ مولوداً اليوم، لاستمريتُ في التفاوض وأنا في رحم أمتي حتى يُمنح لي حق الإقامة في الولايات المتحدة".
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام