في وقتٍ يشهد فيه العالم تزايدًا في الوعي البيئي وضرورة حماية التنوع الأحيائي، تُسجَّل في جنوب العراق جريمة بيئية تتكرر كل شتاء بصمت مؤلم، حيث لا تزال ممارسات الصيد الجائر للطيور المهاجرة، وخصوصاً طائر "الفلامنغو"، تهدد النظام البيئي وتشوّه صورة العراق أمام المجتمع الدولي. مرصد "العراق الأخضر" أعلن أن قرابة ألف طير مهاجر سقطت ضحية هذا النوع من الصيد خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر فقط، في مشهدٍ يبعث على القلق حيال مستقبل الأهوار العراقية المصنفة كموقع تراث عالمي من قبل اليونسكو.

وفقاً لتقرير صادر عن المرصد، فإن هذه الطيور المهاجرة تقطع آلاف الكيلومترات لتصل إلى مناطق الأهوار جنوبي العراق، بحثاً عن الدفء والاستقرار والتكاثر، لكنها ما إن تصل حتى تقع في شباك صيادين يستخدمون "وسائل شيطانية"، على حد وصف التقرير، متجاهلين كل التحذيرات التي صدرت من وزارات الدولة ومؤسساتها البيئية. المرصد أشار إلى أن المشكلة لا تنحصر في الأسواق مثل سوق الغزل ببغداد، الذي شهد مداهمات واعتقالات طالت الباعة، بل في أساس الكارثة وهو غياب الرقابة والردع في أماكن الصيد الفعلي داخل الأهوار.

المرصد تساءل عن مصير الطيور التي تم ضبطها في الأسواق، مشيراً إلى أنه في حال إطلاق سراحها، فإنها على الأغلب ستعود إلى نفس البيئات التي طُوردت فيها، وستقع مرة أخرى ضحية للصيد، في ظل غياب أي ضمانات حقيقية لمنع تكرار الجريمة. كما دعا إلى إجراءات صارمة تشمل اعتقال الصيادين أنفسهم، وليس فقط من يتاجر بهذه الطيور لاحقًا في الأسواق، منبهاً إلى وجود محاولات لبيع الطيور بشكل سري، بعيداً عن أعين الجهات الأمنية، ما يتطلب رقابة أوسع وخططاً أشمل لحماية البيئة.

الناشط البيئي رعد الأسدي، رئيس منظمة الجبايش للسياحة والبيئة في محافظة ذي قار، أكد أن طائر الفلامنغو، ورغم أنه غير مدرج على قائمة الأنواع المهددة بالانقراض دولياً، إلا أنه يتعرض لصيد مكثف و"مرعب" داخل العراق، ما يهدد التوازن البيئي الهش في الأهوار. 

وأوضح أن هذا الطائر يحظى في دول العالم بحماية خاصة ويُعد من رموز السياحة البيئية، بينما يُستهدف في العراق لمجرد كونه فرصة ربح سريعة في ظل تفشي الفقر في بعض المناطق الجنوبية.

من جانبه، حذر الخبير القانوني علي التميمي من تداعيات هذه الممارسات، مشيراً إلى أن استمرار صيد طائر الفلامنغو وغيره من الطيور المهاجرة يُعد انتهاكاً خطيراً للاتفاقيات البيئية الدولية التي التزم بها العراق.

 وأوضح أن إدراج الأهوار العراقية ضمن قائمة التراث العالمي من قبل اليونسكو جاء نتيجة لما تمثله هذه المناطق من قيمة بيئية وتاريخية فريدة، وأن استمرار الانتهاكات قد يؤدي إلى سحب هذا التصنيف، وهو ما سينعكس سلباً على الدعم الدولي الذي تحظى به هذه المناطق، سواء من خلال التمويلات، أو القروض، أو تنشيط السياحة البيئية.

التميمي أكد أن القانون العراقي حاضر في هذا الملف، لكنه غير مُطبَّق بالشكل المطلوب. وبيّن أن القانون رقم (10) لسنة 1981 المعدل لقانون تنظيم صيد الأحياء المائية رقم (48) لسنة 1976، ينص بوضوح في مادته (28) على عقوبات تصل إلى السجن من ثلاث إلى سبع سنوات بحق من يستخدم وسائل غير مشروعة في الصيد. وأشار إلى أن هذه القوانين يجب تفعيلها بجدية للحد من الظاهرة، لا سيما أن خسائرها لا تتوقف عند الأضرار البيئية فقط، بل تمتد لتشمل القطاعات الاقتصادية والسياحية، وتهدد سمعة العراق الدولية.

وفي ظل هذه المعطيات، تتعاظم الحاجة لتحرك حكومي حاسم، يبدأ من ملاحقة الصيادين داخل بيئات الأهوار وليس الاكتفاء بالمظاهر الأمنية داخل المدن، ويمر بتشديد العقوبات القانونية، وصولاً إلى تثقيف مجتمعي حول أهمية حماية الطيور المهاجرة، بوصفها جزءاً من الهوية البيئية والثقافية للعراق، لا مجرد سلعة تُباع في الأسواق.

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام