الاقتصاد نيوز - بغداد
في ظل تحوّلات دولية متسارعة تعيد رسم خريطة الطاقة والاقتصاد العالمي، يبرز النفط مجددًا كعامل حاسم في تحديد مسارات الاستقرار والنمو، لا سيما بالنسبة للدول الريعية. ومع تصاعد الحديث عن عودة الإمدادات النفطية من مناطق كانت معزولة بفعل الصراعات والعقوبات، تتزايد الأسئلة حول مستقبل الأسعار، وانعكاساتها المباشرة على اقتصادات تعتمد بشكل جوهري على عائدات الخام، وفي مقدمتها العراق.
وفي هذا الإطار، قدّم مظهر محمد صالح، المستشار المالي والاقتصادي لرئيس مجلس الوزراء، قراءة شاملة لطبيعة المرحلة المقبلة، مؤكدًا أن عودة الإنتاج النفطي إلى مستوياته الطبيعية في مناطق أحزمة النفط المعزولة حاليًا، وإعادة دمجها في سوق الطاقة العالمية، تمثل مؤشرًا جوهريًا على استعادة الاستقرار في النظام الاقتصادي–السياسي العالمي، والدخول في مرحلة يمكن توصيفها بـ"اقتصاديات السلام".
وأوضح صالح خلال حديثه لـ"الاقتصاد نيوز"، أن هذا التحول من شأنه مضاعفة فرص النمو في الاقتصاد العالمي، بما يولّد طلبًا إضافيًا ومتسارعًا على الطاقة، وفي مقدمتها النفط الخام.
وبيّن صالح أن العلاقة التاريخية بين النمو الاقتصادي العالمي والطلب على الطاقة تُظهر أن كل زيادة بنسبة 1% في نمو الناتج العالمي تقابلها زيادة تلقائية بنحو 0.7% في الطلب على النفط الخام، في حركة متلازمة تعكس الطبيعة البنيوية للنفط كمُدخل أساسي في النشاط الاقتصادي العالمي.
وانطلاقًا من ذلك، توقع انقلابًا إيجابيًا في دورة الأصول النفطية، يرافقه ارتفاع في أسعار النفط على المدى المتوسط وربما الطويل، مؤكدًا أن تعاظم فرص الاستقرار والسلام عالميًا يقود تلقائيًا إلى تحسّن الطلب على موارد الطاقة، وبالتالي تحسّن أسعار النفط.
غير أن هذه الرؤية، على الرغم من طابعها الإيجابي عالميًا، تفتح في الوقت نفسه بابًا واسعًا للنقاش حول موقع العراق داخل هذه التحولات. فالعراق، الذي يعتمد على النفط بما يزيد على 90% من إيراداته العامة، يبقى شديد الحساسية لأي تغيّر في توازنات العرض والطلب، أو في القرارات السياسية الدولية التي قد تقود إلى وفرة نفطية تضغط على الأسعار بدل رفعها.
وفي هذا السياق، يحذّر خبراء اقتصاديون من أن السيناريوهات الدولية المطروحة، وخصوصًا تلك المرتبطة بالسياسات الأميركية، قد تحمل تحديات مباشرة للاقتصاد العراقي.
ويشير الخبير الاقتصادي سيف الحلفي إلى أن التحركات المحتملة للإدارة الأميركية، وفي مقدمتها السعي لإعادة النفط الفنزويلي إلى الأسواق، وإنهاء الحرب الروسية–الأوكرانية بما يسمح بعودة الصادرات الروسية بكامل طاقتها، إضافة إلى احتمالات تخفيف القيود على النفط الإيراني، قد تؤدي مجتمعة إلى غزارة نفطية عالمية غير مسبوقة تضغط على الأسعار نحو مستويات قد تتراوح بين 50 و60 دولارًا للبرميل.
وبحسب الحلفي، فإن مثل هذا الهبوط السعري، إذا ما تحقق، سيضع العراق أمام اختبارات صعبة، في ظل موازنة تشغيلية مرتفعة، وتضخم في الرواتب، وضعف واضح في الإيرادات غير النفطية، فضلًا عن هشاشة أدوات امتصاص الصدمات المالية.
ويؤكد أن الأسواق المحلية بدأت تعكس حالة من “تضخم الخوف”، حيث ترتفع الأسعار بفعل القلق والمضاربات والتخزين، لا بسبب تغيّر حقيقي في الكلف.
وبين التفاؤل الحكومي بمرحلة “اقتصاديات السلام” العالمية، وتحذيرات الخبراء من تداعيات وفرة نفطية محتملة، يقف العراق عند مفترق طرق اقتصادي حاسم.
فالمرحلة المقبلة قد تحمل فرصًا حقيقية إذا ما ترافقت مع إصلاحات بنيوية وتنويع لمصادر الدخل، لكنها قد تتحول إلى عبء ثقيل إذا استمر الاعتماد الأحادي على النفط دون أدوات وقاية واستباق.
وفي هذا التوازن الدقيق، تصبح سرعة القرار ودقته عاملين لا يقلان أهمية عن تطورات السوق العالمية نفسها.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام