السوداني يترأس اجتماعاً لمتابعة سير العمل بمشروع تحلية مياه البحر في البصرة   الإقتصاد نيوز   سوريا تعتمد على عدة دول في مواجهة تحديات صناعة الأسمنت.. هل بينها العراق؟   الإقتصاد نيوز   العراق خامس أكبر شريك تجاري لصادرات مجلس دول الخليج   الإقتصاد نيوز   توضيح من لجنة تجميد أموال الإرهابيين بشأن الكيانات المدرجة   الإقتصاد نيوز   بغداد ترحب بقرار اسبانيا بشأن تحديث نصائح السفر إلى العراق   الإقتصاد نيوز   الأسيكودا… النظام الذي سيقلب ميزان التجارة في العراق: من الورق المتآكل إلى الدولة الذكية"   الإقتصاد نيوز   إيران: مستعدون لشراء الماء إذا كانت هناك دولة مستعدة لبيعه   الإقتصاد نيوز   السوداني يؤكد المضي بتعزيز الاستثمار بالتعاون مع القطاع الخاص والشركاء الدوليين   الإقتصاد نيوز   سمير النصيري: خطة الإصلاح المصرفي تنفذ بنجاح وفق برامجها الزمنية   الإقتصاد نيوز   الأردن يستورد 300 ألف برميل نفط شهريًا من العراق بخصم 16 دولارًا عن سعر برنت   الإقتصاد نيوز  
الأسيكودا… النظام الذي سيقلب ميزان التجارة في العراق: من الورق المتآكل إلى الدولة الذكية"

الاقتصاد نيوز - بغداد

المحامية نور جواد الدليمي

 

لم يعد بالإمكان أن تستمر حركة التجارة في بلد بحجم العراق على ورقٍ مهترئ وملفات تتنقل من يد إلى يد، ولا عبر برامج محلية معزولة لا يعرف أحد مصير بياناتها. في عالم يقود فيه الاقتصاد التكنولوجيا لا العكس، كانت الحاجة إلى نظام حديث يشبه الشرايين الإلكترونية التي تضخ الحياة في جسد الدولة. وهنا ظهر نظام الأسيكودا (ASYCUDA) كأحد أكبر التحولات التقنية التي يشهدها العراق منذ عقود، تحوّلٌ لن يغير فقط طريقة التخليص الكمركي، بل سيعيد رسم مشهد التجارة والاقتصاد والقانون من جديد.
 
قبل عام 2022، كانت معظم عمليات الكمارك العراقية تُدار يدوياً، باستثناء بعض البرامج المحلية البسيطة الخاصة بالحسابات والتصريحة والموارد البشرية، وهي أنظمة منزوعة الارتباط فيما بينها؛ كل واحد منها يعمل في جزيرة معزولة بلا تكامل ولا قدرة على منع التلاعب أو مراقبة حركة البضائع بشكل شامل. لكن قرار الحكومة العراقية المضيّ بأتمتة المنظومة الجمركية بالتعاون مع الأونكتاد (منظمة الامم المتحدة للتجارة والتنمية) مثّل نقطة التحول الكبرى، خصوصاً أن أتمتة الكمارك هي العمود الفقري لأي إدارة حديثة ومفتاح ضبط الحدود والإيرادات.
يمتد مشروع الأسيكودا على ثلاث مراحل تستغرق نحو 84 شهراً، تبدأ بنشر أحدث أنظمة تكنولوجيا المعلومات الخاصة بالتخليص والمراقبة، ثم الانتقال إلى أتمتة العمليات الرقابية وتحليل المخاطر، وصولاً إلى بناء نافذة تجارية واحدة تُمكّن جميع المتعاملين من تقديم البيانات واستلام الموافقات عبر نقطة إلكترونية موحدة. وهذا النموذج مطبق في أغلب الاقتصادات العالمية المتقدمة، لأنه يقلل التدخل البشري إلى الحد الأدنى ويُحكم السيطرة على البيانات والرسوم الجمركية.
 
اقتصادياً، يمثّل الأسيكودا نقلة هائلة في الإيرادات، لأنه يغلق الثغرات التي كانت تسمح بتسرب المال العام عبر الفساد، أو التلاعب بقيم البضائع، أو إدخال مواد بطرق غير شرعية. فالتخليص الإلكتروني الشامل يعني أن كل شحنة تمر عبر العراق ستخضع لنفس الإجراءات الموحدة، وأن الرسوم ستُحتسب وفق معايير ثابتة لا وفق مزاج موظف أو اجتهاد شخصي. وقد انعكس ذلك مباشرة بتراجع التهريب بنسبة 60% منذ بدء تطبيق جزء من النظام.
 
أما قانونياً، فإن نظام الأسيكودا يُعدّ تطبيقاً حقيقياً لمفاهيم الشفافية والمساءلة، ويمنح الجهات الرقابية أدلة رقمية لا يمكن التلاعب بها، ويربط كل خطوة بتوقيع إلكتروني قابل للتتبع. كما ينسجم مع التزامات العراق تجاه الاتفاقيات الدولية الخاصة بتسهيل التجارة، ويهيئ بيئة قانونية ملائمة لجذب الشركات الأجنبية التي تبحث دائماً عن إجراءات واضحة وبعيدة عن الفوضى الرقابية.
 
ولأن النظام يربط الجهات الحكومية كافة، من الكمارك إلى الضرائب إلى وزارة التجارة إلى المصارف، فإن بناء نافذة واحدة سيختصر زمن التخليص من أسابيع إلى أيام أو ساعات، ويوفر بيئة تنافسية تحارب الاحتكار وتمنح الشركات ثقة أكبر بالدخول إلى السوق العراقي.
إن الأسيكودا ليس برنامجاً تقنياً فقط؛ بل مشروع دولة، ومؤشر على انتقال العراق من اقتصاد يعتمد على العلاقات الشخصية إلى اقتصاد يستند إلى قواعد رقمية صارمة، ومن إدارة تعتمد على الورق إلى إدارة تستند إلى البيانات.
 
وعندما يكتمل تنفيذ جميع مراحله، سنشهد جمارك أكثر قوة، وبيئة تجارية أكثر استقراراً، وإيرادات أعلى، وحدوداً أقل قابلية للاختراق. إنه المستقبل الرقمي الذي تأخر كثيراً… لكنه بدأ أخيراً في التحرّك.


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام


مشاهدات 52
أضيف 2025/12/04 - 1:22 PM