"روبلوكس" تحت الحظر: معركة العراق بين صون الطفولة وتحديات العالم الافتراضي

الاقتصاد نيوز - بغداد

في تطور لافت يعكس تصاعد القلق من مخاطر الفضاء الرقمي على الأجيال الصغيرة، أعلنت وزارة الاتصالات حظر لعبة "روبلوكس" الشهيرة داخل البلاد، استناداً إلى قرار من المحكمة الاتحادية العليا.

القرار الذي فاجأ الشارع العراقي جاء بدافع حماية القيم الاجتماعية والأخلاقية، وحفاظاً على سلامة الأطفال والمراهقين من المحتوى غير المناسب والمخاطر الإلكترونية التي تصاحب اللعبة. غير أن الخطوة أثارت نقاشاً واسعاً بين مؤيد يرى فيها حماية ضرورية للأسرة العراقية، ومعارض يعتبرها إجراءً غير فعّال في ظل سهولة تجاوز الحجب باستخدام أدوات مثل الـVPN، مما يفتح الباب أمام تساؤلات حول جدوى الحظر وقدرته على تحقيق الأمان الرقمي المنشود.

وكانت وزارة الاتصالات، قد أوضحت، في وقت سابق، أن القرار يأتي "حرصاً على حماية الأمن المجتمعي وصون القيم الأخلاقية والتربوية"، مؤكدة أن اللعبة تمثل خطراً على الأطفال والمراهقين لما تتضمنه من محتوى عنيف وسلوكيات غير مناسبة، إضافة إلى مخاطر التواصل المباشر بين المستخدمين، ما يسهّل عمليات الاستغلال والابتزاز الإلكتروني.

الوزارة أشارت في بيانها إلى أن قرار الحظر جاء بعد دراسة ميدانية رصدت انتشار روابط مزيفة ومنصات غير رسمية تستخدم لسرقة بيانات اللاعبين، وتشجع على عمليات شراء داخلية متكررة تثقل كاهل الأسر العراقية، إلى جانب تزايد حالات الإدمان الرقمي والعزلة الاجتماعية بين المستخدمين الصغار.

لكن خطوة وزارة الاتصالات قوبلت بانتقادات من خبراء التقنية والمجتمع الرقمي الذين حذروا من أن الحظر قد يحقق نتائج عكسية، إذ سيؤدي إلى توسع استخدام تطبيقات الـVPN بين الأطفال والمراهقين، ما يعرضهم لمخاطر أكبر تتعلق بالخصوصية والأمن.

وأوضح الخبير التقني عثمان أحمد أن تجاوز الحجب في ظل غياب التوعية الرقمية قد يفتح الباب أمام مواقع وروابط أكثر خطورة، داعياً إلى اعتماد نهج يقوم على التعاون مع المنصات نفسها لفرض رقابة محلية وضوابط أبوية فعالة، بدلاً من الحجب الشامل.

تجارب دولية سابقة، مثل تركيا والأردن والإمارات، أظهرت صعوبة تنفيذ الحظر الكامل على الألعاب الرقمية، إذ غالباً ما يجد المستخدمون طرقاً لتجاوز القيود التقنية. وفي المقابل، اتجهت دول أوروبية كبلجيكا وهولندا إلى فرض ضوابط جزئية تحد من عناصر اللعبة المرتبطة بالمقامرة، لحماية الأطفال من الإنفاق العشوائي والإدمان.

الناشطون في مجال حقوق الطفل، ومن بينهم فاضل الغراوي، أكدوا أن اللعبة تضم أكثر من 85 مليون مستخدم يومياً، يشكل الأطفال دون 13 عاماً نحو 40% منهم، مما يجعلها بيئة مفتوحة لمخاطر العنف والمحتوى الجنسي والتواصل مع غرباء مجهولين. وأظهرت دراسات دولية أن أكثر من 60% من الأطفال بين 8 و12 عاماً تعرضوا لمحاولات تواصل من غرباء عبر منصات مثل "روبلوكس"، وهو ما أدى إلى تسجيل حالات استغلال وابتزاز في عدة دول.

ورغم منطق الحظر من ناحية حماية الطفولة والقيم الاجتماعية، يرى المراقبون أن التحدي الحقيقي يكمن في تطبيقه عملياً وفي قدرته على تحقيق الهدف المنشود دون التسبب بآثار عكسية. فنجاح القرار يتوقف على تطوير برامج توعية رقمية للأسر، وتعزيز الرقابة الأبوية، والتعاون مع الشركات العالمية لوضع ضوابط محلية فعالة.

وفي المحصلة، يمثل قرار حظر "روبلوكس" في العراق محاولة واضحة لحماية الأطفال من أخطار العالم الافتراضي، لكنه يكشف أيضاً الحاجة إلى استراتيجية وطنية متكاملة للأمان الرقمي، تجمع بين التوعية، والتنظيم، والتعاون التقني، لضمان حماية حقيقية دون المساس بحرية الاستخدام أو دفع المستخدمين إلى بيئات رقمية أكثر خطراً.


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام


مشاهدات 191
أضيف 2025/10/23 - 8:23 PM