د. هيثم حميد مطلك المنصور
عاود رصيد المالية العراقية من الدين العام الداخلي في ارتفاع مستوياته، عند نهاية شهر حزيران من العام الحالي ليبلغ 87 تريليوناً و748 مليار دينار عراقي، طبقا للمصادر الرسمية. ان من اهم الأسباب التي أدت الى هذا الارتفاع ما يأتي:
1ـ تزايد الحاجة الى الاقتراض الداخلي لتمويل العجز المالي المستمر، بسبب ارتفاع نسبة ريعية الاقتصاد العراقي اذ يشكل النفط أكثر من 90% من إيرادات الموازنة العامة، مما يجعله عرضة لتقلبات أسعار النفط العالمية عند انخفاضها، وارتفاع معدلات الإنفاق الحكومي، اذ تتبنى الحكومة سياسة مالية توسعية، لتمويل الانفاق التشغيلي ولاسيما الرواتب والأجور، الذي غالبا ما تتم تغطيته على حساب الانفاق الاستثماري.
2ـ ارتفاع معدلات الانفاق الحكومي قياسا الى معدلات نمو الدين العام الداخلي مما يعزز من الفجوة المالية بين الدين العام واستدامته.
3ـ ضعف الإدارة المالية وانخفاض كفاءة تحصيل الإيرادات غير النفطية، وتفشي الفساد المالي والاداري، ينجم عنهما استمرار دوران الاقتصاد داخل حلقة العجز ما يفاقم الدين العام الداخلي، اذ يلاحظ تراجع الإيرادات غير النفطية خلال النصف الأول من العام الحالي الى 4.951 ترليون دينار، مقارنة بـ 7.118 تريليون دينار في الفترة ذاتها من العام الماضي بانخفاض قدره 2.167 تريليون دينار وبنسبة 43.6%. الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة العجز الفعلي في الموازنة العامة، وتفاقم الدين العام الداخلي.
4ـ ارتفاع مستويات رصيد الدين العام الداخلي هي الأخرى تغذي نمو العجز المالي الحكومي السنوي، الذي يخصص جزء منه لتسديد أقساط الدين وفوائده فضلا عن بنود الانفاق الحكومي المتجددة، مما يثقل كاهل الموازنة العامة ويعمق الدين من جديد، فيدخل الاقتصاد في حلقة مفرغة من الدين المستمر.
وعليه فان من المخاطر الاقتصادية المتوقعة لارتفاع حجم الدين العام الداخلي:
1ـ استمرار تزايد الضغوط التضخمية عبر زيادة المعروض النقدي نتيجة الاقتراض من البنك المركزي قد يؤدي إلى ارتفاع التضخم، الذي بلغ أعلى من 5% في بعض السنوات الأخيرة.
2ـ إعاقة النمو الاقتصادي، فمن المحتمل ان يؤدي ارتفاع خدمة الدين (فوائده) إلى تحويل الموارد عن الاستثمارات التنموية، من البنية التحتية والصحة والتعليم. فيما يسمى اثر المزاحمة الذي يؤثر سلبا على القطاع الخاص فعندما تقترض الحكومة محلياً، فإنها تتنافس مع القطاع الخاص على رؤوس الأموال، مما قد يرفع أسعار الفائدة ويحد من نشاط القطاع الخاص .
لذا كان لابد من بناء سياسات مضادة تتمحور حول ما يأتي:
1ـ بناء سياسات اقتصادية كلية لادارة الدين العام الداخلي وبلوغ استدامته من خلال ربطه بصناديق استثمار
2ـ في ظل ريعية الاقتصاد يجب رفع كفاءة إدارة الإيرادات المالية وإصلاح النظام الضريبي عبر تحسين كفاءة جباية الضرائب والرسوم، والتي لا تتجاوز حالياً 10% من إجمالي الإيرادات.
3ـ تنويع مصادر تمويل الموازنة العامة من خلال التنمية في القطاعات الاقتصادية الأخرى من الزراعة والصناعة والسياحة، لزيادة الإيرادات غير النفطية.
4ـ تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد وتطبيق إجراءات صارمة للحد من الفساد في إدارة المال العام.
5ـ إصدار سندات حكومية بأذون مختلفة لجذب المدخرات المحلية والأجنبية بطريقة منظمة، بدلاً من الاقتراض المباشر من البنك المركزي.
من صفوة القول ان ارتفاع الدين العام الداخلي في العراق ما هو الا جرس الإنذار بأن يواجهه الاقتصاد الوطني بإصلاحات هيكلية في الموازنة العامة والسياسة المالية التوسعية، وتنويع مصادر الإيراد، وترشيد الإنفاقي منه مقابل تعزيز الاستثماري. وبدون هذه الإصلاحات، قد يستمر الدين العام الداخلي في النمو، مهدداً الاستقرار الاقتصادي والأمن المالي للعراق على المدى الطويل.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام