خطة التنمية 2024–2028: العراق يخطو نحو اقتصاد منتج بإيرادات تتجاوز 700 تريليون دينار

الاقتصاد نيوز — بغداد

في خطوة تُعد من أبرز التحولات الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة، شرعت الحكومة العراقية بتنفيذ خطة التنمية الوطنية للأعوام 2024–2028، مستهدفةً إحداث نقلة نوعية في بنية الاقتصاد الوطني من خلال تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، إلى جانب معالجة البطالة وتعزيز الاستثمار في القطاعات الحيوية.

وتتضمن الخطة، التي جاءت مدعومة برؤية حكومية وإرادة سياسية واضحة، إصلاحات هيكلية عميقة ومؤشرات أداء دقيقة تراقَب بشكل دوري، في وقت تُقدَّر فيه الإيرادات المتوقعة بأكثر من 710 تريليونات دينار عراقي، وتتطلب استثمارات تتجاوز 240 تريليون دينار لتحقيق أهدافها.

وفيما أكدت وزارة التخطيط أهمية التوزيع الرأسمالي والاستثمار في القطاعات ذات الأولوية، رأى جهات حكومية أن الخطة تمثل رافعة اقتصادية حقيقية، بينما اعتبرها خبراء اقتصاديون من أكثر الخطط واقعية وشمولًا لمعالجة التحديات التنموية في العراق.

من جانبه، بين مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية والاقتصادية، مظهر محمد صالح، أهمية خطة التنمية الوطنية الخمسية للأعوام 2024–2028.

وخلال حديثه لـ"الاقتصاد نيوز"، أكد صالح، أن الخطة الخمسية تعبّر عن إصرار وطني حقيقي على بلوغ غايات كبيرة في التقدم والازدهار الاقتصادي، مشيرًا إلى أنها تستند إلى التعداد السكاني لتصحيح مسارات تطبيقها بدقة وكفاءة.

وأضاف، أن الهدف الجوهري من الخطة يتمثل في تطبيق إصلاحات هيكلية عميقة، وتحويلها من مجرد وثيقة مكتوبة إلى رافعة اقتصادية قادرة على تغيير معادلة الإنتاج والتشغيل، وإخراج العراق من دائرة الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد منتج وتنافسي، شريطة أن تُدار بكفاءة عالية باعتبارها مهمة وطنية شاملة.

وأشار المستشار إلى أن نجاح الخطة الخمسية يتطلب توافر مزيج من المقومات المؤسسية والمالية والتنفيذية، على رأسها الإرادة السياسية التي جسّدها البرنامج الحكومي، بدعم مباشر من القيادة العليا، والذي عمل على تحصين المؤسسات التخطيطية من التقلبات.

كما شدد على أهمية توافر إطار تشريعي وتنظيمي ملزم، لتحويل الخطة إلى قانون يحدد الأهداف والموارد والجهات المسؤولة، إلى جانب ضمان تمويل مستدام ومتنوع، يتكون من إيرادات النفط، والاستثمارات الخاصة، والقروض التنموية الميسّرة.

مؤشرات أداء واضحة ومتابعة دورية

وبيّن صالح أن الخطة تعتمد على حوكمة دقيقة ومتابعة مستمرة تقوم على مؤشرات الأداء (KPIs)، والتي تُراجع نصف سنويًا لضمان الالتزام والتنفيذ الفعلي للمشاريع.

ومن أبرز المؤشرات المستهدفة بحسب مستشار السوداني، يتمثل بـ"نمو سنوي في الناتج المحلي الإجمالي لا يقل عن 5%، نسبة بطالة لا تتجاوز 8% سنويًا، ومعدل تضخم لا يزيد على 5%، بالإضافة مساهمة قطاع البتروكيماويات بـ5% من الناتج المحلي".

وأشار الى رفع إنتاج النفط إلى 6 ملايين برميل يوميًا، واستغلال الغاز المصاحب بنسبة 90%، ورفع مساهمة القطاعات غير النفطية لأكثر من 50% من الدخل الوطني، كما تتضمن الخطة مؤشرات مرتبطة بقطاعات الصناعة التحويلية، الصحة، التعليم، والبنية التحتية.

إدارة مهنية ومشاركة مجتمعية

وأضاف صالح أن من عوامل النجاح المهمة هو تشكيل فرق تنفيذ متخصصة لإدارة المشاريع وفق معايير دولية (PMI)، وبعيدًا عن المحاصصة أو التوزيع المناطقي، مؤكدًا أهمية مشاركة المجتمع المدني والقطاع الخاص في صياغة وتنفيذ الخطة، بما في ذلك الغرف التجارية والصناعية والنقابات.

واختتم بالقول إن الخطة الخمسية تمثل محورًا أساسيًا للتنمية المستدامة في العراق، وتحتاج إلى تكامل الجهود والتزام وطني حقيقي لضمان تحولها إلى واقع ملموس ينعكس على مستوى معيشة المواطنين والنمو الاقتصادي العام.


الى ذلك، أعلنت وزارة التخطيط، أن إجمالي الإيرادات المتوقع تحقيقها خلال فترة خطة التنمية الخمسية 2024–2028 يبلغ نحو 710 تريليونات دينار عراقي.

وقال المتحدث الرسمي باسم الوزارة، عبد الزهرة الهنداوي، في تصريح للوكالة الرسمية، إن النسبة الأكبر من هذه الإيرادات ستأتي من القطاع النفطي، حيث من المتوقع أن تبلغ إيرادات النفط نحو 631 تريليون دينار، في حين تُقدّر الإيرادات غير النفطية بنحو 79 تريليون دينار.

وأضاف الهنداوي، أن الخطة الخمسية قدّرت حجم الاستثمارات المطلوبة لتحقيق معدل النمو الاقتصادي المستهدف بنسبة 4.24% خلال مدة تنفيذها، بأكثر من 241 تريليون دينار.

الى ذلك، أكد الباحث في الشأن الاقتصادي، علي دعدوش، أن الخطة الخمسية التي تم إعدادها مؤخرًا تُعد من أفضل الدراسات التي لامست واقع الاقتصاد العراقي، إذ تطرقت إلى التحديات الاقتصادية الرئيسية وقدّمت فرصًا استثمارية مستقبلية للنهوض بواقع التنمية في البلاد.

وأوضح دعدوش، في حديث لـ"الاقتصاد نيوز"، أن الخطة وضعت اتجاهات اقتصادية كلية طموحة، من أبرزها تحقيق نمو مستهدف يتراوح بين 5% إلى 6% كمتوسط سنوي، بالإضافة إلى استهداف تضخم طبيعي، واستقرار سعر الصرف، وخفض عجز الموازنة العامة.

وأشار إلى أن الخطة ركزت على القطاعات الإنتاجية، لا سيما الزراعة والصناعات الغذائية، من خلال التوجه نحو أنظمة ري حديثة ومحاصيل استراتيجية ذات عائد مائي مرتفع، وإنشاء مناطق لوجستية وتصنيعية متخصصة في التمور، الحبوب، الدواجن، والألبان بهدف تعزيز إحلال الواردات وزيادة القيمة المضافة محليًا.

كما تطرقت الخطة، بحسب دعدوش، إلى تحديات القطاعات الأخرى مثل الاقتصاد الرقمي، نظم المدفوعات، وإصلاح القطاع المالي، إلى جانب تنمية القطاع الخاص وزيادة فرص التشغيل. وقد تم اعتماد منهج "النافذة الموحدة" لإزالة الحواجز التنظيمية (كالرخص والضرائب وتخصيص الأراضي الصناعية) خلال مدة لا تتجاوز 72 ساعة، بالإضافة إلى ربط التعليم التقني باحتياجات القطاعات ذات الأولوية.

وفيما يخص مقومات نجاح الخطة، شدد الباحث على أهمية وجود حوكمة واضحة وإصدار كتاب قواعد (Playbook) للمشروعات يشمل مراحل الاختيار، التمويل، التنفيذ، المتابعة، والتقييم، إلى جانب التحوّل من موازنات البنود إلى موازنات البرامج والأداء، بحيث تتضمن كل خطة برنامجًا بمؤشرات أداء، مسؤول مباشر، ميزانية محددة، ومخرجات واضحة.

واختتم دعدوش حديثه بالتأكيد على ضرورة تشريع قانون يُلزم بتنفيذ الخطة الوطنية، بالتزامن مع الموازنة العامة والبرنامج الحكومي، معتبرًا أن هذا التكامل الثلاثي يمثل حجر الأساس في مسار التنمية المستدامة في العراق.

وترى وزارة التخطيط ان النسبة الأكبر من التكوين الرأسمالي ستكون من نصيب قطاع النفط بنسبة 27.4%، يليه قطاع ملكية دور السكن بنسبة 22.5%، ثم خدمات التنمية الاجتماعية بنسبة 20.8%.

ولفتت إلى، أن "قطاع الماء والكهرباء سيشكل 8.6% من إجمالي التكوين الرأسمالي المخطط له، في حين تبلغ حصة قطاع الصناعة التحويلية نحو 7.8%".


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام


مشاهدات 299
أضيف 2025/08/14 - 5:32 PM