في خطوة مفاجئة وصفت بأنها جزء من سياسة تجارية تصعيدية، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة تصل إلى 30% على واردات من عدد من الدول، من بينها العراق، الجزائر، وليبيا، ضمن حزمة شملت 18 دولة حول العالم.
القرار أثار ردود فعل متباينة في الأوساط الاقتصادية العراقية، لا سيما مع تزايد الحديث عن مدى تأثيره على الاقتصاد العراقي المرتبط أساسًا بصادرات نفطية معفاة من الرسوم الجديدة.
وبحسب ما أوردته وكالة "رويترز"، فإن الإدارة الأمريكية وجهت رسائل رسمية إلى ست دول جديدة – من ضمنها العراق – تبلغها بفرض رسوم جمركية تراوحت بين 25% و30%، وذلك بالتوازي مع إشعارات سابقة طالت 12 دولة أخرى. وقد ربط مراقبون هذه الخطوة بمحاولة إدارة ترامب معالجة الفوائض التجارية لصالح تلك الدول على حساب السوق الأمريكية.
الرسوم لا تمس الصادرات النفطية
يبلغ حجم التبادل التجاري بين العراق والولايات المتحدة نحو 9 مليارات دولار سنويًا، مع فائض يميل لصالح العراق بقيمة 5.7 مليارات دولار، يعود معظمه إلى تصدير النفط الخام.
وتؤكد البيانات الرسمية أن العراق يصدّر ما يقارب 200 ألف برميل نفط يوميًا إلى السوق الأمريكية، بما يعادل 4.5 مليارات دولار سنويًا، وهي صادرات معفاة من الرسوم الأمريكية الجديدة.
وتعزز هذا الاتجاه مؤخرًا مع ارتفاع واردات الولايات المتحدة من النفط العراقي إلى 212 ألف برميل يوميًا، وفقًا لإحصائيات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، ما يشير إلى استمرار الاعتماد النسبي على الخام العراقي رغم نمو الإنتاج الأمريكي المحلي.
إيرادات "محدودة"
من جهته، قال عضو اللجنة المالية النيابية، النائب معين الكاظمي، إن القرار الأمريكي لا يستهدف العراق بشكل مباشر، مؤكدًا أن الصادرات النفطية مستثناة من الرسوم، وأن حجم التبادل التجاري في السلع الأخرى لا يزال محدودًا.
الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب لا تشمل الصادرات العراقية، وبالأخص النفطية منها، بل تستهدف البضائع القادمة من الصين والاتحاد الأوروبي"، قال الكاظمي في تصريح لـ"الاقتصاد نيوز".
وأضاف: ما يُصدّره العراق من منتجات نفطية للولايات المتحدة لا يتجاوز ملياري دولار سنويًا، مع احتمالية تصدير مصنوعات أخرى بقيمة تقارب الملياري دولار كذلك، لذا فإن تأثير الرسوم سيكون محدودًا.
وأكد الكاظمي أن الحكومة العراقية فرضت بدورها تعرفة كمركية جديدة على الواردات من أمريكا وغيرها، موضحًا أن هذه الإجراءات تهدف إلى زيادة الإيرادات غير النفطية، وليست موجهة ضد أي طرف.
وفي وقت سابق، وخلال اجتماع ترأسه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، كشفت وزارة التجارة أن معظم الصادرات العراقية إلى الولايات المتحدة تمر عبر دول وسيطة بسبب سياسات تتبعها الشركات الأمريكية، ما دفع الحكومة إلى التحرك لتطوير العلاقات التجارية المباشرة، وتعزيز التعاون المصرفي، وفتح حوار مؤسسي مع الجانب الأمريكي لتحسين أسس العلاقة التجارية وضمان المصالح المتبادلة.
وأكد عضو اللجنة المالية، ان زيادة الرسوم يجب ألا تُفهم كمجرد عبء على السوق، بل كمحفّز لتشجيع الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، خاصة في مجالات الأغذية والمواد الأساسية.
نافذة مهمة بين العراق وأمريكا
وفي رسالته التي وصفها بأنها تعكس "قوة والتزام العلاقة التجارية بين البلدين" زالموجهة للعراق، أكد الرئيس الامريكي دونالد ترامب، إن واشنطن قررت المضي قدمًا في فرض التعرفة بهدف تحقيق تجارة أكثر توازنًا وعدالة، بعد سنوات من العجز التجاري الكبير الذي تعاني منه الولايات المتحدة مع العراق، على حد تعبيره.
وأوضح الرئيس الأمريكي أن الرسوم المفروضة ستشمل كافة المنتجات العراقية، باستثناء الشركات العراقية التي تختار الاستثمار داخل الولايات المتحدة أو تنقل عمليات الإنتاج إليها، مشيرًا إلى أن هذه الشركات لن تخضع لأي رسوم، وأن الموافقات المطلوبة ستُمنح خلال أسابيع.
أضاف: "ندعوكم للمشاركة في الاقتصاد الاستثنائي للولايات المتحدة، السوق رقم واحد في العالم، وسنبذل قصارى جهدنا لتسريع الموافقات لمن يستثمر داخل بلدنا"،
كما شدد على أن الولايات المتحدة تعتبر العجز التجاري الحالي مع العراق تهديدًا اقتصاديًا وأمنًا قوميًّا، وأن فتح الأسواق العراقية أمام المنتجات الأمريكية وإلغاء القيود التجارية قد يفتح المجال لإعادة النظر في القرار.
وفي سياق متصل، أكد الخبير في الشأن الاقتصادي صفوان قصي، ان الرسالة الأمريكية التي دعت شركات عراقية للاستثمار في السوق الأمريكية تمثّل نافذة جديدة لتنويع الاقتصاد والانفتاح على الأسواق العالمية.
وخلال حديثه لـ"الاقتصاد نيوز"، لفت قصي الى ان هذه الدعوة قد تكون بداية لشراكات اقتصادية طويلة الأمد، موضحًا أن السوق الأمريكية تتيح فرصًا حقيقية أمام الشركات العراقية لاكتساب الخبرات والاستفادة من رأس المال المعرفي والتكنولوجي.
"الاستثمار في الولايات المتحدة يمنح العراق فرصة الوصول إلى بيئة اقتصادية مستقرة، ويُسهم في تطوير أدواته الإنتاجية في مجالات الصناعة، الزراعة، والخدمات المالية"، أوضح الخبير.
وشدد قصي على ضرورة أن تعيد الحكومة النظر في الرسوم المفروضة على السلع الأمريكية داخل العراق، في إطار المعاملة بالمثل والتفاهمات التجارية المتبادلة، بما يضمن تعزيز التبادل التجاري بشكل أكثر توازناً.
واتم حديثه: "تنشيط نافذة الاستثمار في الأسواق الأمريكية يشكل خيارًا واقعيًا للعراق من أجل الانتقال من الاعتماد على النفط إلى اقتصاد أكثر تنوعًا واستدامة.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام