تناول تقرير لمجلة بروكيورمنت ماغازين الأميركية للتحليلات الاقتصادية، المنافع والمردودات الاقتصادية والجيوسياسية الكبيرة لمبادرة مشروع طريق التنمية العراقي الممتد من ميناء الفاو الكبير حتى الحدود التركية، مشيرًا إلى أنه سيكون بديلًا عمليًا لقنوات تجارية أخرى ينافسها في اختصار المسافة وقلة التكلفة، محولًا البلد إلى مركز لوجستي إقليمي، في وقت يخلق فيه اقتصادًا متعدد المصادر بعيدًا عن النفط فقط.
ويشير التقرير إلى أن مشروع طريق التنمية في العراق يمثل مبادرة بنية تحتية تحويلية تبلغ قيمتها 17 مليار دولار، تهدف إلى ربط الخليج بأوروبا، ومع مواجهة الشحن العالمي تحديات ناجمة عن عدم الاستقرار الإقليمي والاختناقات مثل قناة السويس، يعيد العراق بهدوء تعريف دوره في التجارة الدولية. يمتد هذا الممر اللوجستي من ميناء الفاو الكبير في جنوب العراق إلى الحدود التركية، ويعد بديلًا استراتيجيًا من شأنه أن يعيد تشكيل سلاسل الإمداد والنقل بين آسيا وأوروبا.
وقد وُصف هذا المشروع الكبير بأنه "واحد من أهم مشاريع البنية التحتية في العراق منذ عشرينيات القرن الماضي". ويحقق هذا المسار الأسرع فوائد مباشرة في مجال المشتريات من خلال تمكين طرق توريد أسرع، وتقليل تكاليف التخزين، وتحسين الاستجابة لتغيرات السوق.
وبرزت الأهمية العالمية لطريق التنمية في العراق وسط أزمة البحر الأحمر المستمرة، والتي تفاقمت نتيجة النزاعات في الشرق الأوسط، حيث أصبحت التأخيرات في الشحن أمرًا شائعًا. وفي هذا السياق، يوفر الممر البري في العراق بديلًا عمليًا. وفي الأسابيع الأخيرة، أكمل سائقو شاحنات من بولندا وألمانيا رحلات من أوروبا إلى الخليج عبر العراق في غضون عشرة أيام فقط، أي أقل من نصف المدة المطلوبة عبر البحر من خلال قناة السويس.
وباتت الرحلة من تركيا إلى الكويت تستغرق الآن سبعة أيام فقط، وقد أدت المعابر الحدودية الرقمية إلى تقليص أوقات الانتظار بنسبة 92%. كما أن نظام النقل الدولي البري (TIR)، الذي يضمن حركة آمنة وفعالة للبضائع عبر الحدود، يعمل بالفعل، مما يعزز انسيابية عمليات التوريد والمشتريات عبر الحدود. حمد الحكيم، خبير البنية التحتية للنقل في جامعة بغداد، قال لصحيفة ميدل إيست أوبزيرفر في وقت سابق من هذا العام: "من المتوقع أن يصبح طريق التنمية ممرًا تجاريًا حيويًا، ليس فقط للعراق ولكن للمنطقة بأكملها. فمن خلال ربط الخليج بأوروبا عبر تركيا، سيخدم كطريق حرير جديد، ينعش طرق التجارة القديمة ويعزز التكامل الاقتصادي". ويوفر هذا الممر بديلًا عمليًا لقناة السويس، مما يعني مزيدًا من تنويع المسارات وتقليل خطر الانقطاع والعرقلة، وبالتالي ضمان سلاسل إمداد أكثر موثوقية.
في قلب مشروع طريق التنمية في العراق يقع ميناء الفاو الكبير، الذي يُبنى حاليًا في مدينة الفاو. ويتميز هذا الميناء العميق بأطول كاسر أمواج في العالم بطول 14.5 كيلومتر، ومن المتوقع أن يتعامل مع 7.5 مليون حاوية سنويًا، وقادر على استقبال أكبر سفن الحاويات في العالم. ويمتد من الميناء طريق بري وسكة حديد بطول 1200 كيلومتر حتى تركيا، ويتوقع أن يصبح المشروع جاهزًا للتشغيل والعمل بالكامل بحلول عام 2028. وبالإضافة إلى البنية التحتية للنقل، يخطط المشروع لتطوير ما لا يقل عن عشر مدن جديدة على طول مسار السكة الحديد، إلى جانب العديد من المناطق الصناعية ومراكز الخدمات اللوجستية. وسيوفر تطوير هذه المناطق فرصًا جديدة للتوريد المحلي.
لا يعد طريق التنمية مجرد مشروع لوجستي، بل يمثل تحولًا جيوسياسيًا، يصور تحول العراق من بلد عانى الحروب إلى حلقة وصل إقليمية محورية. ويحظى المشروع بدعم من تركيا وقطر والإمارات العربية المتحدة، الذين يدركون إمكانية تعزيز التجارة الإقليمية وتقليل الاعتماد على الطرق البحرية المعرضة للمخاطر.
وقال رئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، بخصوص المشروع: "يمثل مشروع طريق التنمية خطوة حاسمة نحو بناء عراق أكثر استقرارًا وازدهارًا، قائمًا على اقتصاد متنوع وتعزيز التعاون الإقليمي مع الدول المجاورة".
وتعد مشاركة تركيا محورية، حيث تمثل نقطة النهاية الشمالية للممر، الذي سيتصل بأوروبا عبر مدينتي مرسين وإسطنبول.
فيما قال رنج علاء الدين زميل مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية: "يوفر المشروع حافزًا للازدهار الاقتصادي الذي يمكن أن تستفيد منه المنطقة بأسرها". ومع سعي الشبكات التجارية العالمية إلى تعزيز مرونتها في ظل التقلبات الجيوسياسية، يثبت العراق أنه لا يقدم خطة احتياطية فحسب، بل ربما شريانًا رئيسيًا جديدًا للتجارة. حيث سيعيد هذا المشروع رسم الخريطة الاقتصادية في المنطقة، ويحول العراق إلى شريان تجاري بديل في قلب أوراسيا، وهذا يعني تحويل البلد من مستورد للفرص إلى مصدر للممرات، ويخلق اقتصادًا متعدد المصادر بعيدًا عن الاعتماد على النفط فقط.
عن مجلة Procurement Magazine الأميركية
نقلا عن صحيفة المدى
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام