الاقتصاد العراقي في منحنى التحسّن: مؤشرات إيجابية وسط سياسات نقدية وحرب إقليمية

الاقتصاد نيوز - بغداد

في مؤشّر جديد على تحسّن أداء الاقتصاد العراقي واستقرار بيئته المالية، سجّل الربع الأول من عام 2025 انخفاضًا ملحوظًا في معدلات التضخم، رافقه تراجع طفيف في تحويلات العملة إلى الخارج، وارتفاع كبير في احتياطي الذهب والتمويل الممنوح للقطاع الخاص.

وجاء ذلك ضمن التقرير الفصلي الذي أصدره البنك المركزي العراقي، والذي رصد تطورات المشهد النقدي والمالي خلال أشهر كانون الثاني، شباط، وآذار من العام الجاري، مشيرًا إلى أن هذه المؤشرات الإيجابية تعكس فاعلية السياسات الاقتصادية المعتمدة، وتؤكد متانة الإجراءات الحكومية في كبح التضخم وتحقيق الاستقرار السعري.

وأشار تقرير البنك المركزي العراقي إلى أن معدل التضخم الإجمالي في العراق انخفض بنسبة 21% في الربع الأول من عام 2025، ووصل إلى 2.2%، مقارنة بالربع الأخير من عام 2024، حيث كان معدل التضخم آنذاك 2.8%.

الى ذلك، كشف مظهر محمد صالح، المستشار الاقتصادي والمالي لرئيس الوزراء، أن التراجع الملحوظ في معدل التضخم وتحقيق الاستقرار في الأسعار يعود إلى ثلاثة عوامل رئيسية.

وأوضح صالح في تصريح لـ"الاقتصاد نيوز" أن أول هذه العوامل يتمثل في السياسة النقدية للبنك المركزي، الذي نجح منذ بداية العام في إغلاق نافذة بيع العملة الأجنبية، مع التحول نحو تعزيز طلبات المصارف الوطنية للحصول على الدولار من خلال مراسليها الدوليين ذوي الامتثال العالي للمعايير المصرفية العالمية، وخاصة في مجال مكافحة غسل الأموال.

تقرير البنك المركزي كذلك تطرق الى انخفض حجم تحويل العملة العراقية إلى الخارج من قبل البنك المركزي في الربع الأول من هذا العام بنسبة 0.6%، ووصل إلى 99.9 تريليون دينار.

وجاءت هذه المقارنة بالربع الأخير من عام 2024، حيث كان حجم العملة المحوّلة للخارج آنذاك 100.5 تريليون دينار.

يرتبط تحويل الأموال إلى الخارج في العراق بتحويل عائدات النفط العراقية بالدولار، التي يقدّمها البنك للمستوردين بالسعر الرسمي.

وأشار إلى أن هذه الخطوة أسهمت في تقليص زمن التحويلات الخارجية إلى النصف، وأدت إلى تعزيز استقرار سعر الصرف الرسمي، مع تراجع أسعار السوق الموازي بأكثر من 15 نقطة منذ بداية العام، نتيجة لانخفاض تأثير المضاربات وتوسع استخدام وسائل الدفع الإلكترونية، لا سيما من قبل المسافرين العراقيين.

وفيما يخص العامل الثاني، بيّن صالح أن الحكومة عملت على توسيع برامج الدعم في الموازنة العامة، لا سيما في ما يتعلق بسلات الغذاء ومضاعفة الدعم الموجّه للعائلات الفقيرة ضمن برامج الرعاية الاجتماعية، إضافة إلى دعم المحاصيل الزراعية والوقود، وهي سياسات تمثل أكثر من 13% من الناتج المحلي الإجمالي.

أما العامل الثالث، فيعود إلى السياسة التجارية للدولة، التي تبنت نظام "الهايبر ماركت" كأداة دفاع سعري، من خلال تدخل حكومي مباشر لتوفير السلع الأساسية بأسعار مستقرة، ما أسهم في تعظيم العرض السلعي وكبح التقلبات السعرية.

وختم المستشار تصريحه بالتأكيد على أن هذه العوامل الثلاثة شكّلت "متلازمة اقتصادية" فعّالة ساعدت على خفض التوقعات التضخمية وتحقيق حالة من الاستقرار في السوق تُعد من أعلى المراحل في تاريخ السياسة النقدية للعراق خلال السنوات الأخيرة.

 

الامر لم يتوقف عند هذا الحد، بل  اشار البنك المركزي الى أن إجمالي الكتلة النقدية لتي منحتها البنوك للقطاع الخاص في الربع الأول من هذا العام، قد نمت بنسبة 1.1%، ووصلت إلى 44.1 تريليون دينار.
تحقّق هذا النمو مقارنة بالربع الأخير من عام 2024، إذ بلغت قيمة الكتلة النقدية المقدّمة للقطاع الخاص حينها 43.6 تريليون دينار.

ويشير هذا النمو، وفق البنك المركزي العراقي، إلى دعم القطاع المصرفي في العراق لتوفير السيولة للأفراد ومشاريع القطاع الخاص.

وفقاً للتقرير، نما احتياطي الذهب في البنك المركزي العراقي في الربع الأول من هذا العام بنسبة 19%، ووصلت قيمته إلى 21.2 تريليون دينار.

جاء هذا النمو مقارنة بالربع الأخير من عام 2024، حيث كانت قيمة الاحتياطي آنذاك 17.8 تريليون دينار.

بدوره، بين الخبير في الشأن الاقتصادي علي دعدوش أن الانخفاض الأخير في معدل التضخم في العراق يعود إلى عاملين رئيسيين، أحدهما داخلي يتعلّق بالسياسات الحكومية، والآخر خارجي يتصل بالأوضاع الجيوسياسية في المنطقة، مرجّحًا أن يكون العامل الخارجي هو الأكثر تأثيرًا في هذه المرحلة.

وأوضح دعدوش خلال حديثه لـ"الاقتصاد نيوز" أن الاتجاه الأول لانخفاض التضخم يتمثل في الدعم الحكومي المباشر للسلع والخدمات الأساسية، لا سيما من خلال البطاقة التموينية، إلى جانب تقديم بعض المواد الغذائية والاستهلاكية داخل الهايبر ماركت بأسعار أقل نسبيًا من الأسواق المحلية، وذلك بفضل سياسات حكومية شملت تخفيض الضرائب والرسوم الجمركية لتثبيت الأسعار.

وأضاف أن هذه الإجراءات أسهمت في تخفيف الضغوط التضخمية على المواطن، لكن تأثيرها يبقى محدودًا مقارنةً بالعامل الثاني.

وبيّن دعدوش أن الاتجاه الثاني – والذي يعتبره الأكثر تأثيرًا – يتمثل في انعكاسات الحرب الدائرة بين الكيان الغاصب وإيران، والتي تركت آثارًا مباشرة على السوق العراقية، نظرًا لاعتماد العراق على استيراد عدد كبير من السلع من إيران.

وأشار إلى أن انقطاع تدفّق هذه السلع أدى إلى حالة من الركود وعدم اليقين بين التجار والمستوردين في السوق المحلية، ما دفع الكثيرين إلى تقليص الطلب والمخزون، وهو ما ساهم فعليًا في انخفاض أسعار السلع والخدمات نتيجة ضعف الحركة التجارية.

واختتم حديثه بالتأكيد على أن العوامل الخارجية الجيوسياسية – رغم خطورتها – تلعب اليوم دورًا محوريًا في كبح التضخم، في وقت يجب على الدولة أن تعزّز أدواتها الاقتصادية المحلية لمواجهة أي صدمات مستقبلية محتملة في الأسواق.


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام


مشاهدات 222
أضيف 2025/07/08 - 3:32 PM