واشنطن تتحرك لعقد اتفاقيات تجارية جديدة مع آسيا وأوروبا للحد من نفوذ بكين

تعكس صفقة التجارة الجديدة التي أبرمها الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع فيتنام مؤشراً واضحاً على المستوى الذي قد تستقر عنده الرسوم الجمركية على البضائع الصينية، في ظل استمرار المفاوضات بين واشنطن وبكين بعد الهدنة الأخيرة بين الطرفين.

تخضع البضائع الصينية حالياً لرسوم جمركية تبلغ نحو 55%، وهو مستوى يُتوقع استمراره حتى أغسطس. غير أن الاتفاق الجديد مع فيتنام ينص على فرض رسوم بنسبة 20% على صادراتها إلى الولايات المتحدة، إلى جانب رسوم أعلى تصل إلى 40% على البضائع التي يُشتبه بأنها أُعيد شحنها من دول أخرى، وهي ممارسة لطالما استخدمها المصدرون الصينيون منذ بداية النزاع التجاري بين بكين وواشنطن لتفادي الرسوم الجمركية.

وتُظهر إدارة ترمب من خلال سد هذه الثغرات ملامح أي اتفاق تجاري مقبل مع الصين. إذ تعكس نسبة الـ40% المفروضة على السلع المعاد شحنها أن الرسوم الجمركية على الصين، حتى في حال تقليصها، من غير المتوقع أن تنخفض بشكل كبير عن هذا المستوى.

قال غابرييل وايلداو، المدير الإداري في شركة "تينيو" (Teneo) والمتخصص في تحليل المخاطر السياسية المتعلقة بالصين، إن "نسبة 40% الواردة في اتفاق فيتنام ربما تعكس قناعة أوسع داخل إدارة ترمب بشأن ما تعتبره مستوى مناسباً للرسوم الجمركية على الصين، وهو توجه قد يتكرر في اتفاقيات ثنائية أخرى".

وأضاف: "مع ذلك، أشك في أن ترمب لديه خط أحمر واضح يحدد الحد الأدنى للرسوم على الصين".

خفض محدود في الرسوم الأميركية على الصين

أثمرت المحادثات التي جرت بين بكين وواشنطن الشهر الماضي في لندن عن التوصل إلى إطار تجاري لا يزال ساري المفعول حتى منتصف أغسطس. وبموجب هذا الاتفاق، وافقت الصين على استئناف تصدير المعادن الأرضية النادرة، وهي مواد أساسية تدخل في تصنيع توربينات الرياح والسيارات الكهربائية والمعدات العسكرية، في مقابل تخفيف الولايات المتحدة لبعض قيود التصدير المفروضة على الإيثان وبرمجيات تصميم الرقائق ومكونات محركات الطائرات.

وفي إطار هذا التفاهم، خفضت واشنطن الرسوم الجمركية على البضائع الصينية إلى نحو 55%، بعد أن بلغت ذروتها عند 145% في مطلع أبريل. غير أن الرسوم بنسبة 20% لا تزال مفروضةً على الواردات المرتبطة بمادة الفنتانيل. ورداً على ذلك، شددت بكين الرقابة على مادتين كيميائيتين تُستخدمان في إنتاج هذا المخدر، في خطوة تُعد من بين الخيارات القليلة التي تملكها الصين للمطالبة بمزيد من الإعفاءات الجمركية.

عن ذلك، قال كريستوفر بيدور، نائب مدير أبحاث الصين في شركة "غافيكال ريسيرش" (Gavekal Research)، إن "التركيز الرئيسي حالياً منصب على نسبة الـ20%". وأوضح أن "الاعتقاد السائد هو أن الحكومة الصينية مستعدة تماماً لعقد صفقة بشأن الفنتانيل، وقد ظلت تُلمح إلى ذلك منذ عدة أشهر".

استراتيجية توازن الرسوم الجمركية

مع ذلك، من غير المرجح أن تُخفض هذه الجهود الرسوم الجمركية على الصين إلى ما دون مستوى الـ40% المطبقة حالياً على فيتنام. إذ إن أي خفض، ولو إلى 35% مثلاً، قد يمنح الصين مجدداً ميزة تنافسية، ويدفع الشركات لإعادة أنشطتها التصنيعية إلى الداخل الصيني، وهو ما يتعارض مع الأهداف الأشمل لإدارة ترمب.

وقال ستيفن أولسون، المفاوض التجاري الأميركي السابق والذي يعمل حالياً لصالح معهد يوسف إسحاق لدراسات جنوب شرق آسيا (ISEAS-Yusof Ishak Institute): "إذا انتهى الأمر بأن تصبح الرسوم على الصين أقل من تلك المفروضة على فيتنام، فإن ذلك سيغير بالتأكيد معادلات التنافسية، لكن تذكر أن نقل مرافق الإنتاج ليس أمراً سهلاً يتم بمجرد الضغط على زر".

وأضاف: "بالنسبة للشركات الصينية، لا يوجد أي ضمان بأن مستوى الرسوم الجمركية الذي يحدده ترمب سيظل ثابتاً عند هذا المستوى".

انفراجة دبلوماسية بين واشنطن وبكين

تظهر في الوقت الراهن مؤشرات على التزام الطرفين ببنود اتفاق لندن، إلى جانب بوادر لحسن النية. فقد أقدمت إدارة ترمب على إلغاء متطلبات تراخيص تصدير برمجيات تصميم الرقائق إلى الصين، كما سمحت بتصدير الإيثان الأميركي إلى السوق الصينية دون الحاجة إلى موافقات إضافية.

من جانبه، أشار وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت إلى أن شحنات مغناطيسات المعادن الأرضية النادرة من الصين بدأت تتدفق من جديد، رغم أنها لم تستعد بعد مستوياتها المعتادة قبل أن تفرض بكين قيوداً على التصدير في مطلع أبريل.

وأعرب بيسنت، خلال مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" يوم الثلاثاء، عن أمل الولايات المتحدة في أن تُخفف الصين تلك القيود بشكل أكبر في أعقاب الاتفاق الذي عُقد في لندن.

في غضون ذلك، وجه مسؤول صيني رفيع المستوى يوم الخميس واحدة من أكثر الرسائل الإيجابية التي تصدر عن بكين بشأن العلاقات مع واشنطن خلال الأسابيع الأخيرة. فقد قال ليو جيان تشاو، رئيس الدائرة الدولية في الحزب الشيوعي الصيني، خلال مشاركته في منتدى السلام العالمي، إنه "متفائل" بمستقبل العلاقات الثنائية.

وأضاف ليو: "الصين تُدرك جيداً ما الذي جنته من التعاون مع الولايات المتحدة. إن شراكتنا قائمة على المنفعة المتبادلة، وأي خطوة نحو إقامة الحواجز ستُلحق الضرر بنا وبالطرف الآخر على حد سواء".

تحركات أميركية لعزل الصين

إلى جانب اتفاق فيتنام، تتعامل بكين بحذر متزايد تجاه المساعي الأميركية لعقد اتفاقيات تجارية جديدة قد تؤدي فعلياً إلى تهميش دور الصين. ومع اقتراب 9 يوليو، الموعد المقرر لبدء سريان رسوم ترمب الجمركية "المتبادلة" الأعلى، تكثف واشنطن محادثاتها مع شركاء رئيسين في كل من آسيا وأوروبا.

وتسعى واشنطن لإبرام صفقات جديدة تتضمن قيوداً على مقدار المكونات الصينية المسموح بها في البضائع المصدرة إلى الولايات المتحدة، أو الحصول على التزامات بمواجهة ما تعتبره ممارسات تجارية غير عادلة من جانب الصين. وتُعد الهند من بين الدول التي تسابق الزمن للتوصل إلى اتفاق، حيث تجري مفاوضات حول ما يُعرف بـ"قواعد المنشأ".


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام


مشاهدات 211
أضيف 2025/07/04 - 6:05 PM