تقرير: حلم زيادة إنتاج النفط في العراق إلى الذروة قد لا يتحقق مطلقًا.. لماذا؟

الاقتصاد نيوز- بغداد

ما زالت أحلام الوصول إلى ذروة إنتاج النفط في العراق بعيدة المنال، رغم مرور عقدين على إطلاقها من قبل الشركات الدولية العاملة في بغداد منذ عقود.

وعانى العراق اضطراب الأحوال السياسية والأمنية والاقتصادية على مدار العقدين الماضيين، منذ سقوط نظام صدام حسين والغزو الأميركي للبلاد في مارس/آذار من عام 2003

كما دخلت بلاد الرافدين في مواجهة حادة مع الجماعات المسلحة، ما أدّى إلى اضطراب إنتاج النفط في العراق بصورة كبيرة، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

ورغم انحسار الحرب والصراعات المسلحة في العراق ودول الجوار الإقليمي خلال السنوات الأخيرة، فإن البلاد ما زالت تعيش تحت وطأة الفساد وعدم الاستقرار السياسي.

النفط شريان الاقتصاد العراقي

أسهمت الأوضاع سالفة الذكر في بزوغ ظاهرة هجرة شركات النفط الدولية بعيدًا عن السوق العراقية بصورة متصاعدة منذ عام 2018، ما يرجح صعوبة الوصول إلى ذروة إنتاج النفط في العراق التي يترقبها منذ عقدين على الأقل.

ويُعدّ إنتاج النفط في العراق شريان الحياة الاقتصادية للبلاد، وتُسهم عائداته في تمويل أبواب الإنفاق في الموازنة العامة بنسبة 87%، وفقًا لبيانات رسمية رصدتها وحدة أبحاث الطاقة.

وتستهدف موازنة العراق لعام 2023 تحقيق إيرادات نفطية تصل إلى 80 مليار دولار، كما ترغب في جمع إيرادات أخرى غير نفطية بقيمة 12 مليار دولار.

وأسهمت الحرب الروسية الأوكرانية خلال العام الماضي، في زيادة إيرادات النفط العراقية إلى 115 مليار دولار مقارنة بـ75.7 مليار دولار خلال عام 2021.

وأقرت الحكومة العراقية الموازنة الجديدة في مارس/آذار 2023، بمتوسط سعر البرميل عند 70 دولارًا، كما توقعت وصول حجم صادرات النفط الخام إلى 3.5 مليون برميل يوميًا خلال العام، منها 400 ألف برميل يوميًا من إقليم كردستان.

يتراوح متوسط إنتاج النفط في العراق منذ سنوات طويلة بين 4 و5 ملايين برميل يوميًا، وسط وعود متتالية من الشركات الدولية بتحسين الإنتاج وزيادة معدلاته بالقرب من الذروة الإنتاجية.

وبحسب بيانات منظمة أوبك، بلغ إنتاج النفط في العراق مستوى 4.43 مليون برميل يوميًا عام 2022، ارتفاعًا من 4.05 مليون برميل يوميًا في العام السابق له.

ووعدت شركات النفط الدولية العاملة في البلاد -منذ عقدين- بوصول إنتاج النفط في العراق إلى 7 ملايين برميل يوميًا أو أكثر، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن، وربما لن يحدث على الإطلاق، وفقًا لتقديرات مؤسسة بلومبرغ نيو إنرجي فايننس المتخصصة " bnef".

وخلص المحللون في بلومبرغ إلى هذه النتيجة، استنادًا إلى شواهد كثيرة حول خذلان شركات النفط الدولية للعراق وانسحابها من السوق تدريجيًا منذ سنوات -واحدة تلو الأخرى-.

وانسحبت عدة شركات دولية من البلاد منذ عام 2018، لأسباب مرتبطة بنقص المياه المتزايد، والاضطرابات السياسية المستمرة وتأخر صرف المستحقات المالية وغيرها.

بداية الانتعاش منذ 2008

بدأت صناعة النفط العراقية في التعافي منذ جولات المزادات الكبيرة بين عامي 2008 و2009، في إطار جهود إعادة الإعمار ودفع اقتصاد البلاد المنهار للإمام.

وبلغ حجم الإنتاج الإجمالي المستهدف من جميع حقول النفط المبيعة بنجاح في المزادات العلنية -آنذاك- قرابة 11.6 مليون برميل يوميًا، لكن هذه التقديرات لم تقيد نفسها بإطار زمني محدد، ما فتح الباب أمام التكهنات والمخاوف من ضعف جدية الشركات الأجنبية.

وكان من المقرر أن تكون الشركات الأوروبية والأميركية الكبرى مثل النفط البريطانية بي بي، وإكسون موبيل الأميركية، وشل الأنغلو-هولندية، في طليعة هذه التقديرات الإنتاجية الطموحة.

واستحوذت شل على حصة 45% من حقل مجنون شرق محافظة البصرة، كما استحوذت إكسون موبيل على 60% من حقل غرب القرنة-1، في حين استحوذت شركة النفط البريطانية بي بي على 38% من حقل الرميلة.

وكان الهدف الإجمالي لهذه الحقول الـ3 مجتمعة يقارب 7 ملايين برميل يوميًا، لكنها لم تصل إلى ذلك مطلقًا، وظل المتوسط يتراوح بين 4 و5 ملايين برميل يوميًا منذ عام 2016، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

شل تتخارج.. وإكسون موبيل تخفّض حصتها

علقت الحكومات المتعاقبة آمالًا على وعود متكررة من الشركات الأجنبية بتحسين معدلات الإنتاجية لجني عائدات قياسية من القطاع، إلا أن الانسحابات المتتالية من السوق خلال السنوات الأخيرة أحدثت صدمة في الصناعة.

وتخلّت شركة شل عن كامل حصتها في حقل مجنون منذ عام 2022، بعد أن انخفضت طاقته الإنتاجية إلى 240 ألف برميل يوميًا.

كما خفّضت شركة إكسون موبيل الأميركية حصتها في حقل غرب القرنة-1 بصورة كبيرة من 60% إلى 22.7% أوائل عام 2023.

أما شركة النفط البريطانية بي بي، فما زالت مرتبطة بحصتها في حقل الرميلة الذي ينتهي تعاقده في عام 2034، لكن لا يُستبعد تخارجها الجزئي أو الكلي منه قبل المدة المحددة في ظل التزامها المناخي بخفض إنتاج الوقود الأحفوري بنسبة 25% بحلول 2030.

هل تُعوّض الصين تخارج الشركات الدولية؟

تُعد شركة النفط البريطانية بي بي في الوقت الحالي من أكبر المشغلين في قطاع النفط العراقي، عبر مشروعها المشترك مع شركة البصرة للطاقة المحدودة وشركة سينوك الصينية المالكة لحصة الأغلبية في حقل الرميلة النفطي.

ويمثّل العقدان المقبلان آخر فرصة للعراق لتحقيق حلم الذروة الإنتاجية، وإضافة كميات كبيرة من إمدادات النفط إلى مزيج الطاقة العالمي الذي يواجه ضغوطًا شديدة لهجر الوقود الأحفوري بحلول عام 2050.

وتعمل العديد من حقول النفط العراقية منذ 50 عامًا أو أكثر، لكنها تنتج بعامل استخلاص للنفط (النسبة الإجمالية للنفط المتوقع استخراجه) منخفض نسبيًا يبلغ 30%، ما يتطلّب خبرات تقنية واسعة لزيادة إنتاجها خلافًا لحقول النفط ذات الإنتاجية الأعلى.

ومن المتوقع أن تحل الشركات الآسيوية والمحلية محل شركات النفط الدولية المتخارجة، لكن قدرة هذه الشركات على زيادة الإنتاج والوصول إلى الذروة المأمولة منذ عقود ستظل محل ترقب واختبار.

وزادت شركة سينوك الصينية من تغلغلها في قطاع النفط العراقي خلال السنوات الماضية، إلى أن أصبحت المشاركة في مشروعات تمثل 20% من إنتاج البلاد، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

النفط الروسي ينافس الشرق الأوسط

تتزايد المخاوف من الوضع السياسي الهش للعراق وتداعيات التوترات الجيوسياسية في المنطقة، ما قد يدفع بكين إلى تنويع إمداداتها من النفط بعيدًا عن مضيق ملقا الذي يتحكم في مرور 70% من واردات الصين النفطية.

يُضاف إلى ذلك حجم الفرص البديلة المتاحة أمام الصين لشراء النفط الروسي الرخيص منذ الحرب الأوكرانية، ما أضر بصادرات العراق ودول الشرق الأوسط المصدرة للنفط بصورة كبيرة في عام 2022.

وتتجه الصين إلى زيادة وارداتها من النفط الروسي المنتج غرب جزيرة سيبيريا، ما يمنحها قدرة أكبر على تقليل اعتمادها على النفط القادم من الشرق الأوسط.

ويزيد من هذه الترجيحات نجاح بعض نوعيات النفط الروسي في جذب مصافي التكرير الصينية لتشابه خصائصه مع نوعيات الشرق الأوسط، مثل خام إسبو.

على الجانب الآخر، التزمت المملكة العربية السعودية بزيادة إمداداتها إلى الصين بمعدل 700 ألف برميل يوميًا، وفقًا للصفقات المبرمة في مارس/آذار 2023، ما قد يقلل من حوافز بكين لزيادة حصصها في العراق مع تنوع البدائل الإقليمية والدولية المطروحة أمامها.

ويعزز من هذا الاتجاه، تقديرات تشير إلى أن الطلب الصيني على النفط لن يرتفع بأكثر من مليوني برميل يوميًا حتى 2030، وفقًا لوكالة بلومبرغ نيو إنرجي فايننس.

تحدي نقص المياه

تواجه طموحات زيادة إنتاج النفط في العراق تحديات أخرى متمثلة في نقص إمدادات المياه المستعملة في حقن الحقول، لدفع الخام إلى أعلى، والحفاظ على ضغط مكامن النفط، الذي كلما كان مرتفعًا مقارنة بالضغط الخارجي ساعد ذلك على اندفاع النفط من مكامنه بسهولة عبر أنابيب الإنتاج إلى الخزانات الخاصة بتجميعه.

ومن الممكن استعمال المياه أو الغاز، لكن حقول النفط العراقية لا يلائمها استعمال الغاز لأسباب فنية واقتصادية، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

ويعاني العراق منذ سنوات نقص المياه العذبة مع تزايد معدلات الملوحة والجفاف بوتيرة متسارعة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة العالمية.

كما يشتكي العراق نقص الإمدادات القادمة من نهر الفرات، بسبب توسع تركيا في خطط السدود الداخلية، ما أدى إلى نشوب النزاع بينهما عدة مرات خلال السنوات الماضية.

مشروع نقل مياه البحر إلى حقول النفط

فكر العراق في نقل مياه البحر إلى حقول النفط بكميات مضاعفة، لمساعدته على تجاوز عقبة المياه وزيادة الإنتاج فوق الـ5 ملايين برميل يوميًا، لكن المشروع ظل معلقًا منذ إعلانه في عام 2011.

وزاد الغموض حول مصير المشروع، الذي تبلغ تكلفته قرابة 27 مليار دولار، مع خروج شركة إكسون موبيل الأميركية من القطاع عام 2018.

وحاولت شركة توتال إنرجي الفرنسية إحياء المشروع المعلق باتفاق أولي مع الحكومة العراقية في سبتمبر/أيلول 2022، إلا أنه ما زال معلقًا حتى الآن، وسط خلافات حول حصة الحكومة العراقية في المشروع ما بين 30% و40%.

ويواجه إنتاج النفط في العراق معضلة أخرى متمثلة في عدم الاستقرار السياسي في إقليم كردستان الذي تسيطر عليه حكومة تنازع على استقلال الإقليم منذ عام 2017.

معضلة إقليم كردستان

يُسهم إقليم كردستان بـ10% من إنتاج النفط في العراق، إلا أنه من أكثر الأقاليم عرضة لخطر انقطاع الإمدادات، بسبب الخلافات المشتعلة بين حكومة الإقليم والحكومة الفيدرالية في بغداد منذ الاستفتاء المنفصل الذي دعا إلى استقلال المنطقة الكردية شبه المستقلة أواخر عام 2017.

وأدت التوترات بين الحكومتين إلى وقف تصدير 400 ألف برميل يوميًا من شمال العراق إلى تركيا أواخر مارس/آذار 2023، بعد صدور حكم من محكمة دولية يقيد تصدير النفط من إقليم كردستان بموافقة الحكومة الفيدرالية في بغداد.

وأثار هذا الحكم مخاوف شركات النفط الدولية العاملة في إقليم كردستان، ما دفعها إلى التفكير في سحب استثماراتها من المنطقة، في ظل حالة عدم اليقين المستمرة بشأن وضع الإقليم القانوني وتبعاته المحلية والدولية.

ويُشار إلى أن الحكومة العراقية قد أبلغت السلطات التركية باستئناف عمليات التصدير من المنفذ الشمالي عبر ميناء جيهان بدءًا من يوم 13 مايو/أيار الجاري.

وجاء ذلك بعد الانتهاء من إبرام التعاقدات مع الشركات الدولية لبيع النفط الخام وتسويقه من منفذ جيهان التركي، بعد اعتمادها من شركة تسويق النفط العراقية "سومو".

هل يتحقق حلم الذروة الإنتاجية؟

لهذه العوامل سالفة الذكر، سيواجه العراق تحديات كبيرة لتحقيق حلم الذروة الإنتاجية، سواء عند مستوى 7 و8 ملايين برميل يوميًا، كما ترغب الحكومة، أو عند 11 مليون برميل يوميًا، وفقًا لوعود الشركات الأجنبية في عام 2009.

وتستهدف الحكومة زيادة إنتاج النفط في العراق إلى 8 ملايين برميل يوميًا بحلول عام 2027، تمهيدًا لتحقيق انطلاقة إنتاجية أكبر بحلول عام 2030، لكن التحديات المحيطة بالقطاع ما زالت تهدد الطموحات الوطنية.

وتبدو حاجة العراق ملحة إلى مشروع نقل مياه البحر إلى حقول النفط، ليس لزيادة إنتاجه فحسب، وإنما للحفاظ على مستوى إنتاجه الحالي الضعيف، مع زيادة حالات الجفاف وتكرارها، وتقادم احتياطيات النفط، وهروب الشركات الدولية.

ويزيد من التحديات المتوقعة ارتفاع مستوى الديون وضعف الاستثمارات الخارجية وعدم القدرة على تنويع الاقتصاد بعيدًا عن المصادر الريعية،بالإضافة إلى الضغوط الاقتصادية المتوقعة من زيادة عدد السكان خلال العقد المقبل.

كل هذه العوامل ستؤثر بشدة في قدرة الحكومات العراقية المتتالية على الوفاء بالتزاماتها المحلية والدولية، خاصة مع شركات النفط المعوّل عليها لزيادة عائدات البلاد من قطاع النفط، ما قد يصعّب من حلم الوصول إلى الذروة الإنتاجية في العقد المقبل

المصدر: وحدة أبحاث الطاقة - رجب عز الدين

 


مشاهدات 1484
أضيف 2023/05/14 - 7:11 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 17536 الشهر 65535 الكلي 7642792
الوقت الآن
الخميس 2024/3/28 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير