ازمة بنك وادي السيلكون بين سياسات الفيدرالي وتوازن الفقاعة

د. هيثم حميد مطلك المنصور

ترتسم ملامح الازمة المالية الاخيرة في بنك وادي السيليكون (Silicon Valle Bank) على حقيقة مفادها ان التركيز المالي للبنك الفيدرالي تمحور حول المتغير السعري دون المتغير الحقيقي وانحراف اداء التوازن الكلي عن مسار اهدافه العامة. واختزال بنك وادي السيليكون اتجاهات استثمار المحفظة دون التنويع، والاقتراب من خطرالفقاعة .

فبالرجوع الى فرضية الربح البنكي من ان البنوك تعتمد في عملية تحقيق ارباحها وعوائدها المالية طبقا للآلية المستهدفة  للفارق بين سعر الفائدة الذي تدفعه على الودائع والسعر الذي يدفعه المقترضون، فإن وجود حجم ودائع أكبر بكثير من حجم القروض مثل مشكلة كبيرة لبنك وادي السيليكون ، حلها  كان بحصول البنك على أصول أخرى تحمل فائدة، وبالفعل  فقد استثمر البنك  في نهاية 2021 مبلغا قدره  128 مليار دولار كان معظمها في سندات الرهن العقاري وسندات الخزانة وهي من الاصول المالية طويلة الاجل .

ومن القراءة الرقمية للوضع المالي للبنك المذكور ، نجده الاسرع والاكبر نموا خلال العقد الاخير،اذ تضاعفت ودائعه  لأكثر من 4مرات في غضون  4 سنوات (من 44 مليار دولار في 2017 إلى 189 مليارا في نهاية 2021)، فيما نمت قروضه التي يقدمها للشركات الناشئة من 23 مليار دولار إلى 66 مليارا. لذلك جاء وقع انهياره هو الاكبر منذ الأزمة المالية 2008 ، ولاسيما بعد ان قرر الفيدرالي رفع سعر الفائدة ، تبعه انخفاض في قيمة السندات طويلة الاجل موضوع استثمار البنك المذكور، مما جعله  ينكشف امام خطر مواجهة سحوبات المودعين ، اذ انخفضت الودائع من 189 مليار دولار في نهاية عام 2021 إلى 173 مليارا في نهاية عام 2022، مما اضطر البنك إلى بيع محفظته من السندات السائلة بالكامل بأسعار أقل مما كانت عليه، متكبدا خسائر بلغت نحو 1.8 مليار دولار تركت فجوة حاول سدها بزيادة رأس المال، دون جدوى .

ان اتباع سياسة الفائدة المتشددة نحو 8 أضعاف منذ مارس/آذار 2022، ادت الى تآكل  القيمة الحقيقية للسندات طويلة الاجل والتي تمثل الاستثمار الاستراتيجي لبنك وادي السيليكون مما اوقعه في موقف مالي حرج ، كونه لم يتبع سياسات استثمار مرنة تستهدف تنويع المحفظة بل اعتمد  كليا على تقديم القروض والتسهيلات للشركات الناشئة، ولا سيما في قطاع التكنولوجيا، والسياسة الاستثمارية هذه انعكست على قدرة البنك في مواجهة ارتفاع حجم سحوبات المودعين .

          يمكن القول بأن الأزمة المالية المعاصرة ما هي الا امتداد للأزمة المالية عام 2008، وتمثل منعطفا صعبا للادراة المصرفية، للعديد من الاسباب من اهمها:

ان بنك وادي السيليكون قد اختزل نشاطه المصرفي بعد ازدياد حجم الودائع بنشاط الاستثمار غير الحقيقي وركزعلى الاستثماربالاصول المالية طويلة الاجل كسندات الخزينة الاميركية وسندات الرهن العقاري دون تنويع محفظته الاستثمارية بنشاطات حقيقية .

فضلا عن ان النشاط الاقتصادي لبنوك الازمة في الولايات المتحدة هو الآخر لم يكن منتظما تحت الرقابة الاقتصادية والمالية الصارمة .

 تضييق الفيدرالي لمفهوم الاستقرار المالي باستهداف التضخم دون سياسات الناتج الحقيقي.

         مما أدى الى حدوث انفصال كبير في القيم الاسمية عن الحقيقية للاصول المالية للبنك وارتفاع كبير في حجم سحوبات المودعين ادى الى حدوث فقاعة مالية، ومنه افلاس البنك وتدخل بالتعاون مع الفيدرالي لحماية جميع الأموال المودعة ومحاولة تلافي انتشار الازمةالى باقي البنوك .

ختاما فان السؤال المنطقي الموجه لصانع السياسة الفيدرالية : لماذا لم يتم ترسيم نطاق التوازن المالي للنشاط المصرفي للقطاعات الناشئة أو توسيعه طبقا لتوازن الاقتصاد ضمن حدوده ووظائفه التقليدية واهدافه العامة ، بعيدا عن شبح الفقاعة ؟


مشاهدات 1395
أضيف 2023/03/27 - 9:22 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 8561 الشهر 65535 الكلي 7900992
الوقت الآن
السبت 2024/4/20 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير