مخطط السقف الأعلى لسعر النفط وانعكاساته على دول اوبك (بلس) 

تمهيد:
شهد العالم بعد حالة الانفتاح التجاري العالمي الذي حدث على اثر الزوال التدريجي لكورونا فايروس، تسارع الاقتصادات العالمية في النمو والذي سبب ارتفاع تكاليف الإنتاج الذي انعكس على ارتفاع الأسعار العالمية (التضخم)، بالإضافة إلى الحرب الروسية – الأوكرانية التي عمقت من ارتفاع الأسعار للسلع الأساسية فضلاً عن حصول انتكاسه في سلاسل التوريد العالمية، مما أدى إلى بلوغ التضخم أرقاماً قياسية لم يشهدها العالم بعد الألفية، الأمر الذي استدعى جهوداً حثيثة لمكافحة التضخم.

إن الطريقة التقليدية في ذلك – كبح التضخم –  تكمن في رفع سعر السياسة (سعر الفائدة) من قبل البنوك المركزية وأهمها (البنك الفيدرالي الأميركي) كون الدولار هي العملة المهيمنة على القدرة الشرائية في العالم، وعلى مر أكثر من عام ونصف (2021 وما بعده) رفع الفيدرالي الأميركي الفائدة لكبح جماح التضخم، وعلى الرغم من تحرك التضخم انخفاضاً إلا أن الأسعار ما تزال مرتفعة، بالتالي تكالبت الأحداث والمخططات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي لوقف الاجتياح الروسي لأوكرانيا – حسب قولهم – وتم فرض عدد من العقوبات منها منع روسيا من استخدام نظام سويفت وعقوبات طالت قطاع الطاقة مثل قانون نوبك وآخرها وضع (سقف أعلى لسعر برميل النفط الروسي المباع).

أولاً: مفهوم سقف أعلى لسعر خام الاورال 
حصلت روسيا على ما يقدر (15) مليار دولار من مبيعات النفط في سبتمبر عام 2021، مما ساعد على تغذية الحرب مع أوكرانيا – وهو تدفق الأموال الذي سعى القادة الأميركيون والأوروبيون إلى كبحه – منذ أن أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بغزوه، ولكن في سوق عالمية تهيمن عليها دول لا توجد بها حكومات ديمقراطية إلى حد ما، بقيادة المملكة العربية السعودية، فإن آليات تحديد سقف الأسعار التي صممها المستهلكون والتي تستهدف منتجاً واحداً تهدد بأن تكون معقدة للغاية بحيث يتعذر تحقيقها.
الأمر الذي أدى إلى مناقشة الولايات المتحدة مع حلفائها محاولات عدة لمنع استفادة روسيا من العوائد النفطية أو الحد من عائدات النفط الروسية كإجراء يدخل ضمن العقوبات الأميركية التي فرضتها على روسيا نتيجة الحرب مع أوكرانيا، بحيث وضعت الولايات المتحدة سعر (40 – 60) دولاراً كسقف أعلى لخام الاورال الروسي، وهذا السعر تم تقديره وفقاً للبيانات التاريخية لوكالة تقارير الأسعار (ارغوس ميديا)، حيث بلغ متوسط سعر تسليم خام الأورال نحو (63) دولاراً للبرميل خلال السنوات الثلاث الماضية ونحو متوسط سعر (64) دولاراً للمدة (2017-2022).

وبموجب تكرار سابق للخطة الأميركية التي قادتها وزيرة الخزانة (جانيت يلين) داخلياً وخارجياً، كان الحد الأقصى للسعر في حدود (40) دولاراً إلى (60) دولاراً للبرميل قيد الدراسة، مع رغبة بعض المسؤولين في إبقاء الحد قريباً قدر الإمكان للحد الأدنى لتحقيق الهدف الرئيسي المتمثل في تقليل التدفق النقدي لروسيا. 

أما الآن، يناقش المسؤولون المشاركون في الخطط سقفاً عند الطرف الأعلى من هذا النطاق وما فوق، على الرغم من أن بعض مسؤولي الاتحاد الأوروبي يعتقدون أن ذلك سيسمح للكرملين بالاستمرار في جني عائدات كبيرة من المبيعات مما يعني استمرار تمويل الحرب.

ثانياً: سلامة الإمدادات لخفض الأسعار النفطية والتضخم 

اضطر المسؤولون الأميركيون إلى تقليص خطة لفرض سقف على أسعار النفط الروسي، في أعقاب شكوك المستثمرين وتزايد المخاطر في الأسواق المالية الناجمة عن تقلبات النفط الخام وجهود البنك المركزي لترويض التضخم. بدلاً من خنق عائدات النفط في روسيا من خلال فرض غطاء صارم على الأسعار التي كان يمكن ملاحظتها من قبل "كارتل المشتري" الواسع من الدول، لذا فمن المرجح أن تستقر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على حد أقصى خاضع للرقابة بسعر أعلى، مع إلزام مجموعة الدول السبع وأستراليا بالالتزام بها، حيث تعد هذه الطريقة الأكثر فاعلية لضمان استمرار تدفق النفط إلى السوق بأسعار منخفضة والتأثير بشدة على عائدات بوتين لتمويل حربه ضد أوكرانيا.

تلعب أسعار الطاقة - وخاصة النفط والبنزين - دوراً كبيراً في السيطرة على الكونجرس، حيث سعى الرئيس الأميركي جو بايدن للحد من ارتفاع أسعار سائقي السيارات الأميركيين في أعقاب الغزو الروسي، بما في ذلك من خلال الاطلاق (الكبير) عن احتياطيات النفط الأميركية والضغط العام على أوبك + ومصافي التكرير.

ثالثاً: الولايات المتحدة تعيد صياغة خطط سقف أسعار النفط الروسية
يأتي التحول في تفكير الولايات المتحدة بشأن تحديد سقف للسعر بعد أن أمضت واشنطن شهوراً في الضغط على الأوروبيين لتعديل عقوباتهم على النفط الروسي، ومن المرجح أن يضيف التطور إلى إحباطات الاتحاد الأوروبي، حيث أشار بعض المسؤولين إلى أنهم يعتقدون أن الولايات المتحدة قد وضعت مزيداً من التركيز على تعزيز إمدادات النفط العالمية ولم تكن دائماً على استعداد مثل أوروبا لتلقي ضربة اقتصادية لمعاقبة روسيا.

تسعى وزارة الخزانة الأميركية بأن تحدد سقفاً أعلى للسعر قد يجعل المبادرة أكثر احتمالاً للنجاح في إبقاء النفط الروسي في السوق مع استمرار الحد من عائدات موسكو.

شهدت روسيا تخفيضات على سعر النفط طويلة الأجل وسط دفع سقف الأسعار حيث لن تبيع النفط لأي دولة تشارك في خطط الحد الأقصى للأسعار بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وهو تهديد اعتبره المسؤولون الأميركيون في يوم من الأيام أجوف (كلام فارغ)، لكن يُنظر إليه الآن على أنه قابل للتطبيق بشكل جدي.
ظهرت الشكوك حول سقف أسعار النفط الروسي منذ بداية جهود (يلين)، وتضخمت بعد أن أعلنت منظمة أوبك بلس في 5 أكتوبر/ تشرين الأول عن خفض مفاجئ للإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً، خشي بعض المسؤولين الأميركيين من أن هذه الخطوة ستقوض أي سقف للأسعار واتهم بايدن الحكومة السعودية علانية بالتواطؤ مع الكرملين.
   
من المتوقع أن يتم الإعلان عن سقف السعر في شكله النهائي قبل 5 ديسمبر عام 2022، وهو تاريخ دخول عقوبات الاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ على خدمات مثل (التأمين والسمسرة والمساعدة المالية المرتبطة بنقل النفط الروسي إلى العملاء الدوليين) وغيرها.

تتطلب آلية الحد الأقصى للسعر التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي من مشتري النفط الروسي من الدول الثالثة الموافقة على دفع أقل من الحد الأقصى لشحن وتأمين شحناتهم مع الشركات التي تتخذ من أوروبا مقراً لها، حيث أن هذا النهج سينجح لأن المجموعة الدولية لنوادي الحماية والتعويض هي العامل الأساسي في تأمين البضائع، والتي تغطي نحو (90%) من سفن العالم، كما يقع مقر العديد من أندية المجموعة في لندن مع كيانات أوروبية أو شركاء إعادة تأمين، مما يعني أنها تخضع للوائح الاتحاد الأوروبي بشكل تام.

ستخضع الشركات التي تؤمن على شحنات النفط الروسية بأسعار أعلى من الحد الأقصى لعقوبات الاتحاد الأوروبي الجديدة. وهي تشمل حظراً على الشحن وبنداً يحظر على السفن الوصول إلى الخدمات الأوروبية لجميع أنواع النفط، بغض النظر عن المنشأ، إذا قامت ناقلة بنقل الخام الروسي المباع فوق الحد الأقصى، وأن الغرض من هذا البند هو أن يكون بمثابة حافز للمشترين للالتزام بالسقف.

ومع ذلك، نعتقد بأن روسيا يمكنها الوصول إلى السفن البديلة وخدمات التأمين، وكذلك الانتقام من خلال رفض التصدير للعملاء الذين يلتزمون بالسقف، حيث أن خطة الاتحاد الأوروبي للحد الأقصى للسعر (مشروطة) بتبنيها مجموعة السبع، وفي حال فشلت مجموعة السبع في التوصل إلى اتفاق خاص بها سيشهد في الوقت الحالي فرض حظر تام على خدمات النفط الروسية، والذي تبناه الاتحاد الأوروبي في يونيو الماضي والذي سيدخل حيز التنفيذ كما ذكرنا انفاً. وهذا الوضع هو الذي جعل من الولايات المتحدة بأن تضغط بصورة كبيرة على الاتحاد الأوروبي من أجل الحد الأقصى جزئياً لأن المسؤولين يخشون أن يؤدي حظر الاتحاد الأوروبي إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية بالتالي ارتفاع التضخم وتذهب جهود الفيدرالي الأميركي في الشباك من أجل محاربة التضخم.

رابعاً: تأثير السقف الأعلى على قرارات اوبك (بلس) 

يجري الكلام بين فترة وأخرى عن قانون نوبك NOPEC ((هو مشروع قانون سيساعد الولايات المتحدة على تطبيق قوانين مكافحة الاحتكار ضد الدول المنتجة والمصدرة للنفط))، حيث ستسمح نوبك لوزارة العدل بمحاسبة أوبك وشركائها على أنشطتهم المانعة للمنافسة، والأهم من ذلك، أن التشريع يسمح فقط لوزارة العدل برفع دعوى ضد منظمة أوبك وأعضائها، إنه يمنح المدعي العام أداة أخرى في صندوق الأدوات لملاحقة منتهكي مكافحة الاحتكار، بينما لا يزال يسمح للإدارة بموازنة تداعيات السياسة الخارجية.

من شأن مشروع قانون NOPEC تعديل قانون مكافحة الاحتكار الأميركي لإلغاء الحصانة السيادية التي حمت أعضاء أوبك بلس وشركات النفط الوطنية التابعة لهم من الدعاوى القضائية.

إذا تم التوقيع على قانون، فإن المدعي العام الأميركي سيحصل على خيار مقاضاة كارتل النفط أو أعضائه، مثل المملكة العربية السعودية وبقية الدول  في المحكمة الفيدرالية.

ومن الممكن أن يتم تعديل القانون ليشمل بقية الدول خارج اوبك بالتالي يصبح القانون نوبك بلس، وهنا نتكلم عن إمكانية فرض سقف أعلى للسعر في كارتل اوبك بلس.
 
لكن من غير الواضح بالضبط كيف يمكن لمحكمة اتحادية إنفاذ قرارات مكافحة الاحتكار القضائية ضد دولة أجنبية، بالإضافة إلى ذلك فقد تواجه الولايات المتحدة انتقادات بسبب محاولاتها التلاعب بالأسواق على سبيل المثال، من خلال إطلاقها المخطط له (165) مليون برميل من النفط من احتياطي النفط الطارئ بين مايو ونوفمبر الماضيين.

وفشلت الإصدارات السابقة من مشروع قانون NOPEC وسط مقاومة من قبل مجموعات صناعة النفط، بما في ذلك مجموعة الضغط النفطية الأميركية الكبرى، ومعهد البترول الأميركي (API)، حيث أن هذا القانون سوف يضر بمنتجي النفط والغاز في الولايات المتحدة نفسها وسوف يخلق مزيداً من عدم الاستقرار في الأسواق العالمية.

مما ورد، فإن تحديد سقف أعلى على دول اوبك ربما يكون صعباً وذلك نتيجة العلاقات الجيوسياسية والاقتصادية الجيدة ما بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبين أغلب دول اوبك إن لم يكن جميعها – عدا إيران – حتى مع روسيا فإن هذا المخطط ربما يكون غير فعال في إيقاف تدفق العوائد النفطية إلى روسيا والتي تمول الحرب ضد أوكرانيا وذلك لأن الهند والصين – أكبر الشركاء المستوردين لخام الاورال – قريبة على روسيا فضلاً عن عدة أمور تم ذكرها آنفاً منها أن لا تبيع روسيا للدول المنضوية مع المخطط الأميركي للسقف الأعلى، ووجود حالة الوصول إلى السفن البديلة وخدمات التأمين الاخرى خارج الاتحاد الأوربي.


مشاهدات 1544
أضيف 2022/11/25 - 9:51 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 18122 الشهر 65535 الكلي 7643378
الوقت الآن
الخميس 2024/3/28 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير