وكالة الإقتصاد نيوز

تقرير: داعش يستخدم الطاقة الشمسية لتوفير الكهرباء وتأمين اتصالاته


وسط أدغال وأشجار عالية يبني عناصر تنظيم "داعش" مواقع لهم تملؤها المعلبات والأغطية والعتاد، ومن بينها خلايا طاقة شمسية توفّر الكهرباء لشحن الهواتف ومعدّات الاتصال. تعثر القوات الأمنية العراقية دائماً على مثل هذه الخلايا وتنشر صورها، وتعتقد أنه لولا وجود مؤامرة دولية لما حصل التنظيم على هذه.. لكن القصة مختلفة تماماً!

يقود النقيب أحمد حسن جنوده بحذر وسط أدغال وأشجار عالية في حوض زراعي شاسع يقع في مدينة المقدادية (40 كلم شمال شرق بعقوبة، مركز محافظة ديالى).

تبحث القوة التابعة للجيش العراقي عن مخابئ سرية لتنظيم الدولة الإسلامية – “داعش”.

وبعد مسير أكثر من ساعة وجدت مخبأً.

انتشر الجنود الحذرون حول المكان وأعينهم تبحث في الأرض عن ألغام وعبوات ناسفة قد تنفجر بهم في أية لحظة.

دخل قائدهم إلى “الوكر” وفق المصطلح العسكري، لإلقاء نظرة ومصادرة الأغراض ذات الأهمية الاستخبارية.

وجدت القوة خلايا للطاقة الشمسية داخل الموقع تستخدم لتشغيل أجهزة الاتصالات الخلوية.

يعتقد النقيب حسن، وآخرون تحدثنا إليهم، استمرار حصول “داعش” على دعم قوي يمكّن عناصره من الاستمرار في الاختباء في أماكن نائية يصعب الوصول إليها بسهولة ومنها ينطلقون لشن هجمات قاتلة منذ خسارتهم المناطق التي سيطروا عليها في حزيران 2014.

“نرصد اعتماد داعش المتزايد على خلايا شمسية متنوعة. عثرنا على مثلها في 7 أماكن منذ 2016. أسعارها بآلاف الدولارات”، قال لنا النقيب.

بالنسبة له، مجرد العثور على هذه الخلايا في مخابئ التنظيم، ليس بأمر جديد. يصف وجودها بأنه بديهي، لكنه يسأل نفسه: “كيف يحصلون عليها؟”.

يطرح القيادي في الحشد العشائري أبو محمد العزاوي، السؤال ذاته.

ينشط العزاوي في محافظة ديالى، وشارك في قتال التنظيم منذ 2014.

وهو يتذكر المرة الأولى التي شاهد فيها خلايا الطاقة الشمسية بحوزة عدوه.

كان ذلك في عام 2014، داخل “معسكر عائشة” الواقع ضمن بادية حمرين، أقصى شمال منطقة العظيم (75 كلم شمال بعقوبة).

“استغربنا وقتها وجود هذه التكنولوجيا الحديثة بحوزة (داعش)، ثم اكتشفنا أنها موجودة في 40 -50 بالمئة من مخابئ التنظيم المهمة وبطاقات مختلفة”.

القوات الأمنية تعثر على مُعدات في أحد مخابئ “داعش” بينها ألواح طاقة شمسية/ المصدر: الإعلام الأمني

عند الحديث عن امتلاك التنظيم لخلايا شمسية وأجهزة اتصالات متطورة ومعقدة، تقل لدى القادة الميدانيين الذين يقاتلونه ويتعقبون عناصره الآن، أهمية السؤال عن سبل حصوله على إمدادات معيشية يمكن توفيرها بسهولة.

ويعتقد العزاوي بوجود “مخابرات دولية وأيادٍ أجنبية تستثمر في داعش وهذا ما يفسر تكتيكاته المختلفة في الهجمات واستمرارية وجوده حتى في مناطق نائية تنعدم فيها أبسط مقومات الحياة”.

يتفق صادق الحسيني معه.

الحسيني هو رجل دين معمم ينتمي لمنظمة “بدر” وترأس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة ديالى خلال سنوات سابقة بما فيها فترة سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على مناطق شاسعة من شمال وغرب العراق.

“بعض خلايا الطاقة الشمسية (التي عثر عليها بحوزة مقاتلي التنظيم) كانت كبيرة ولا يمكن توفيرها إلا بآلاف الدولارات”، قال.

عندما كانت المعارك محتدمة بين القوات العراقية المشتركة مدعومة بالتحالف الدولي، وبين مقاتلي “الدولة الإسلامية”، دعا الحسيني إلى تشكيل لجنة استخبارية لكشف آلية حصول التنظيم على الخلايا الشمسية ونوافذ وصولها إليه.

“هي وسيلتهم المهمة لتوفير الطاقة في أماكن تواجدهم في المناطق النائية. استخدام الخلايا ليس سهلاً ويتطلب تخصصاً وخبرة. هذا جعلنا نؤمن أن (داعش) يحصل على تمويل خارجي فني إضافة للمال”، يعتقد الحسيني.

مثّل أيوب الربيعي محافظة ديالى كنائب في البرلمان الاتحادي، وكان عضواً في لجنة الأمن النيابية.

وهو يعيد استنتاج القيادي في الحشد العشائري أبو محمد العزاوي، وكذلك الحسيني.

“(داعش) تنظيم متطرف لكنه يحصل على دعم من دوائر مخابراتية دولية ضمن مسار تحقيق أهداف جيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط. العراق في قلب تلك الأهداف. لذا فهو يحصل على دعم مستمر يأخذ أشكالاً متعددة والخلايا الشمسية صورة منها”.

في 2011، عثرت قوة عراقية على خلايا شمسية في مخبأ لتنظيم “القاعدة” في بساتين حوض الوقف (22 كلم شمال شرق بعقوبة).

كانت صغيرة وتستخدم لتشغيل هواتف خلوية.

وعندما جاء “تنظيم الدولة الإسلامية” بعده، ظهرت معه خلايا أكبر لتوليد الكهرباء بدل مولّدات يصعب نقلها وتحتاج إلى وقود مستمر كما تصدر ضجيجاً يلفت الانتباه وكانت سبباً في كشف مخابئه وقصفها، وفق الخبير الأمني يحيى الخزرجي.

يقول الخزرجي إن “امتلاك (داعش) لخلايا الطاقة الشمسية أمر مهم يجب متابعته وسيقود إلى كشف مفاجآت كبيرة”.

غير أن وجود هذه الخلايا بحوزة “داعش”، ليس فريداً من نوعه. 

ففي إصدارات مرئية نشرتها منصات إعلامية موالية له تصور جانباً من معارك خاضها ضد القوات العراقية، ظهرت طائراته المسيّرة وهي تستطلع أو تقصف جنوداً على الأرض.

وقتها، لم تكن القوات العراقية تمتلك مثلها باستثناء قطع صغيرة لدى جهاز مكافحة الإرهاب.

غيّرت تلك المشاهد وما تبثه وسائل إعلام -غير تلك التي توّلت التحشيد ضد “داعش”- الصورة النمطية في أذهان كثير من المشاهدين المدنيين حول هذا التنظيم.

فالصورة السائدة كانت تتمثل بمقاتلين بشعور ولحى منسدلة يحملون بنادق كلاشينكوف وسيوف توقفت عقولهم في العصر الإسلامي الأول وترفض تقبل منتجات فكرية أو مادية جديدة ويعاقبون مستخدميها.

اخترق النقيب في جهاز الاستخبارات العراقي حارث السوداني تنظيم “الدولة الإسلامية” بعد سيطرته على ثلثي مساحة العراق صيف 2014.

كانت مهمته الخطرة تهدف لإحباط الهجمات على بغداد بالسيارات المفخخة والانتحاريين، وقد نجح في العديد من المرات.

وثقّ كتاب لمارغريت كوكر مديرة مكتب صحيفة نيويورك تايمز السابقة في بغداد، عنوانه “The Spymaster of Baghdad” -ترجمته دار “سطور” العراقية العام الماضي بعنوان “صائد الدواعش”- تفاصيل تلك المهمة التي انتهت باكتشاف التنظيم لهوية السوداني.

فبواسطة جهاز تعقب “GPS” حدد قائد خلية “داعش” التي اخترقها نقيب الاستخبارات موقعه بينما كان يزور أهله في بغداد.

وعندما عاد إليهم، اختفى حارث السوداني وظهر لاحقاً في مقطع مرئي يرتدي زي مساجين قبل إعدامه.

يستعمل “داعش” أجهزة التعقّب بكثرة أيضاً.

الألواح الشمسية في الأسواق

على العكس مما يظنّ القادة الأمنيون العراقيون، فألواح الطاقة الشمسيّة تُباع في الأسواق المحليّة وبأسعار معقولة.

“ليس كل أدوات التكنولوجيا غالية أو قادمة من خارج الحدود بشكل خاص لداعش”، قال ملازم أوّل فضّل عدم الإشارة إلى أسمه. 

“لدينا (في المؤسسة العسكرية) ضعف حقيقي في فهم التكنولوجيا، ولذلك يرى الجنود والضبّاط أي جهاز مختلف على أنه معجزة تكنولوجية”.

توفّر شركات عدّة في بغداد والمحافظات ألواح ومنظومات الطاقّة الشمسيّة للمواطنين.

تروّج هذه الشّركات للمنظومات على مواقع التواصل الاجتماعي، وتوفّر إيصالها إلى المنازل ولديها خدمات لنصبها وإدامتها.

“أنا امتلك واحدة”، قال الملازم أول، “كلّفتني نحو 600 دولار”.

الضابط العراقي، الذي قاتل “داعش” في مدينة الموصل، أشار إلى أن التخلّف التكنولوجي في المؤسسة العسكرية سبّب لها هزائم في مرّات عدّة.

“عندما سقطت الموصل (في حزيران عام 2014) كانت أجهزة اللاسلكي مخترقة، وهي أصلاً قديمة”.

اطلع “جمار”على بعض مما ينشره الإعلام العسكري من صور تظهر الأدوات التكنولوجية التي يعثر عليها في مخابئ التنظيم، ومن ضمن الأدوات كانت الخلايا الشمسية التي توفّر طاقة تكفي لشحن الهواتف المحمولة أو كشّاف ضوء يدوي. 

تتوفّر هذه الخلايا في الأسواق المحليّة بأسعار تتراوح بين 100 إلى 800 دولار.

قال الملازم أول “من يقنع القادة أن هذه الخلايا الشمسيّة أمر بسيط ويمكنهم أيضاً استخدامها؟!”.

المصدر: موقع جمار


مشاهدات 1043
أضيف 2022/12/18 - 12:26 PM
تحديث 2024/03/28 - 8:59 PM

طباعة
www.Economy-News.Net