وكالة الإقتصاد نيوز

أسواق العملات الأجنبية وأسعار الصرف
الدكتور مهند طالب الحمدي


سوق تبادل العملات الأجنبية سوقٌ نشط جداً حول العالم. تصل قيمة التبادلات فيه ما يقرب من خمسة ترليون دولار في اليوم. يتم الاعلان عن أسعار صرف العملات التي تنتج عن تلك التبادلات من قبل العديد من المؤسسات الاقتصادية والمالية الهامة في مختلف بلدان العالم.

 

تُشغّل البنوك والمؤسسات المالية حول العالم أشخاصاً للتعامل بالعملات أو ما يتم تسميتهم تجار العملة. يقوم هؤلاء ببيع وشراء الودائع الموجودة في البنوك بدلاً من تبادل كميات كبيرة من العملات الورقية، حيث تحتفظ البنوك حول العالم بودائع بعملاتٍ مختلفة حسب البلد الذي تعمل فيه. على سبيل المثال، لو أراد بنك في فرنسا أن يبيع دولارات أمريكية ليشتري ين ياباني، فقد يقوم البنك باستبدال ودائع بالدولار موجودة لديه مقابل ودائع بالين الياباني موجودة لدى بنك في ألمانيا. لكن الشركات والأفراد يحصلون على العملات الأجنبية من البنوك ووكالات الصرافة بشكلٍ شخصي مباشر.

 

يتم تحديد أسعار الصرف  من خلال أسواق العملات على مستوى دول العالم. يمكن أن تؤثر مجموعة متنوعة من العوامل على أسعار الصرف هذه، بما في ذلك كميات الواردات والصادرات، والناتج المحلي الإجمالي، وتوقعات السوق والتضخم. على سبيل المثال، إذا انخفض الناتج المحلي الإجمالي في دولة معينة، فإن من المرجح أن تستورد تلك الدولة كميات أقل والعكس صحيح كذلك، مما يسبب تغيراً في كمية العملة المحلية المُستبدلة بالعملات الأجنبية. تسبب هذه التقلبات أيضاً حدوث تحول في أسواق صرف العملات. على سبيل المثال، إذا دخل العراق في حالة ركود اقتصادي، فإن الناتج المحلي الإجمالي العراقي سينخفض وسيستورد العراق بضائع أقل من الولايات المتحدة وبالتالي، ينخفض الطلب على الدولار في السوق العراقية وينخفض سعر الدولار مقابل الدينار. بمعنى آخر، يكتسب الدينار العراقي سعراً أعلى مقارنة بالدولار.

 

يتضمن سوق الصرف للعملات الشركات والأسر والمستثمرين الذين يشترون السلع والخدمات والأصول الأجنبية (أو الذين يبيعون السلع والخدمات والأصول للأجانب). ونتيجة لذلك، فإنهم يطلبون (أو يعرضون ) العملات الأجنبية (او المحلية) لإتمام تعاملاتهم. على سبيل المثال، تشتري بعض الأسر سلعاً مستوردة تحتاج عملات أجنبية لدفع ثمنها. وبالمثل، يقوم الأفراد أو الشركات الأثرياء باستثمارات في بلدان أجنبية يحتاجون فيها إلى عملات أجنبية أيضاً.

يتحدد سعر الصرف في السوق من خلال تفاعل قوى العرض والطلب على العملة المعينة كأي سلعة أخرى في الأسواق. وكأي عملة أخرى في العالم، هناك ثلاث مصادر تحدد الطلب على الدينار العراقي:

أولاً: الشركات والأشخاص الأجانب (ومن ضمنهم الزوار الأجانب) الذين يريدون شراء البضائع والسلع المنتجة في العراق و من ضمنها النشاطات السياحية،

ثانياً: الشركات والأشخاص الأجانب الذين يريدون الاستثمار في العراق من خلال الاستثمار الأجنبي المباشر، أي إنشاء وإدارة المشاريع في العراق، أو من خلال استثمار المحفظة الأجنبية، أي شراء الأسهم والسندات التي يتم إصدارها من قبل مؤسسات عراقية،

وثالثاً، تجار العملة الذي يعتقدون أن سعر الدينار سيرتفع في المستقبل مقارنة بسعره اليوم.

 

عندما يكون سعر صرف الدينار مرتفعاً، تنخفض الكمية المطلوبة منه. على سبيل المثال، عندما يكون سعر صرف الدينار 1,200 دينار للدولار ستكون الكمية المطلوبة للشراء منه أقل مما لو كان سعر صرفه 1,450 ديناراً للدولار من قبل الشركات التي تريد أن تشتري بضائع وسلع عراقية وكذلك بالنسبة للمستثمرين الأجانب ممن يرغبون في الاستثمار في البلاد. على سبيل المثال، عندما يريد شخص أجنبي أن يشتري سلعة عراقية قيمتها الف دولار،  فانه سيحتاج أن يشتري مبلغ مليون ومئتي ألف دينار عراقي حسب سعر صرف 1,200 دينار للدولار ولكنه سيحتاج لشراء مليون و450 ألف دينار لو أصبح سعر الصرف 1,450 ديناراً للدولار. أي ان العلاقة عكسية بين الكمية المطلوبة من الدينار وتغير سعر الصرف، انخفاض سعر الدينار يقود إلى شراء كميات أكبر منه. أي أن منحنى الطلب على العملة (الدينار العراقي هنا) منحنى سلبي الانحدار.

 

أما بالنسبة للعرض، فإن الحال الطبيعي أن تكون هناك علاقة ايجابية بين سعر الصرف وكمية المعروض من الدينار. عندما يرتفع سعر صرف الدينار يتم عرض كمية أكبر منه.  عندما يتغير سعر الصرف من 1,200 دينار للدولار إلى 1,450 دينار للدولار سيضطر الأشخاص والمؤسسات التي تملك الدينار إلى عرض مبالغ أكبر منه للحصول على دولار واحد تستخدمه للأغراض التي تريدها مثل شراء منتجات أجنبية مقومة بالدولار. وعليه، فإن منحنى عرض العملة هو منحنى ايجابي الانحدار.

 

وكحال أي سوقٍ آخر، يحصل التوازن في سوق تبادل العملات عندما تلتقي قوى العرض والطلب، أي تساوي الكمية المعروضة مع الكمية المطلوبة في نقطة التوازن التي يتحدد من خلالها سعر الصرف التوازني. عندما يكون سعر الصرف في السوق، ولأي سببٍ كان، أعلى من السعر التوازني، سيكون هناك فائض من العملة المحلية مما يسبب ضغطاً للأدنى على سعر الصرف ويستمر ذلك لحين الوصول للسعر التوازني. وبالمثل، إذا كان سعر الصرف في السوق أدنى من سعر الصرف التوازني، سيكون هناك شحة في العملة المحلية مما يضع ضغطاً للأعلى على سعر الصرف لحين الوصول إلى السعر التوازني.

يتم إزالة الفائض والشحة في سوق تبادل العملات بسرعةٍ كبيرة بسبب حجم التبادلات الضخمة في العملات العالمية الرئيسية وتواصل تجار العملات مع بعضهم بشكلٍ آني من خلال شبكات الانترنيت.

 

تسبب التحولات في العرض والطلب على العملة تغييراً في سعر الصرف. تتضمن العوامل الأساسية التي تسبب التحولات في العرض والطلب على العملة، لكنها ليست محدودة بذلك:

  1. التغيرات في الطلب على المنتجات المحلية والتغيرات في الطلب على البضائع والسلع الأجنبية.
  2. تغير الرغبة في الاستثمار في البلاد مقارنة بالرغبة في الاستثمار خارج البلاد.
  3. التغير في توقعات تجار العملة حول السعر المستقبلي للعملة المحلية مقابل السعر المستقبلي للعملة الأجنبية.

 

التحولات في منحنيات العرض والطلب على العملة:

يؤدي أي تغير في أي عامل آخر من عوامل السوق غير سعر الصرف الى تحولات في منحنى العرض أو منحنى الطلب على العملة أو المنحنيين معاً، مما يؤدي بالنتيجة إلى تغير سعر الصرف.

 

على سبيل المثال، لو حقق بلد ما يُعدُّ شريكاً تجارياً للعراق نمواً إقتصادياً كبيراً، فسترتفع دخول الأسر في ذلك البلد وسيرتفع الطلب على البضائع والسلع العراقية من قبل سكان ذلك البلد. عند سعر صرفٍ معين، سيرتفع الطلب على الدينار العراقي وسيتحول منحنى الطلب على الدينار إلى اليمين (أي ازدياد الطلب) مما سيرفع سعر صرفه أمام عملة ذلك البلد. بالمثل لو زادت الفوائد على الودائع والسندات في العراق، سيتحول منحنى الطلب على الدينار إلى اليمين حيث تزداد الرغبة في الاستثمار في الأصول المالية العراقية. كذلك يلعب تجار العملة دوراً هاماً في أسواق تبادل العملات لأن تبادلات العملات التي يقومون بها تزيد من حجم التعاملات والسيولة النقدية في السوق. لو أصبح تجار العملة مقتنعين بأن السعر المستقبلي للدينار سيكون أقل من سعره الحالي، فسوف ينخفض الطلب على الدينار الآن ويتحول منحنى الطلب الى اليسار وينخفص سعر صرف الدينار أمام العملات الأخرى تحت شرط بقاء كل العوامل الأخرى ثابتة.

 

العوامل التي تؤثر في تحولات منحنى عرض العملة شبيهة بتلك التي تؤثر في تحولات منحنى الطلب. يؤدي حصول نمو اقتصادي في العراق إلى زيادة دخول الأسر التي تقطن فيه ويزداد طلبها على البضائع والسلع بما فيها البضائع والسلع الأجنبية، ويزداد انفاق الشركات على شراء المواد الأولية الأجنبية لاستخدامها في انتاجها داجل البلاد. لتحقيق ذلك لابد لهم من عرض كميات أكبر من الدنانير العراقية لاستبدالها بعملات أجنبية مما يؤدي إلى تحول منحنى عرض الدينار إلى اليمين (أي زيادة في عرض الدينار). وبشكلٍ مماثل، لو ارتفعت نسبة الفائدة في الولايات المتحدة على سبيل المثال، ستصبح الأصول المالية في ذلك البلد أكثر إغراءً للمُستثمر العراقي مما يجعله يعرض دنانير عراقية أكثر للحصول على دولارات لاستخدامها في شراء الأصول المالية الأمريكية. كذلك لو أصبح تجار العملة مقتنعون بأن سعر الدولار المسنقبلي سيكون أعلى بالمقارنة بالدينار العراقي من سعره اليوم، فإن عرض الدينار سيرتفع (أي يتحول إلى اليمين) لأن تجار العملة سيحاولون تغيير الدنانير التي بحوزتهم إلى دولارات.

 

التعديل السوقي للوصول إلى سعر صرف توازني جديد

تتغير العوامل المؤثرة على قوى العرض والطلب على العملة بشكلٍ مستمر. يعتمد تغير سعر الصرف سواءً بالارتفاع أو الانخفاض على التحولات في منحنيات العرض والطلب. على سبيل المثال، لو تحول منحنى الطلب على الدينار العراقي للتبديل بالدولار إلى اليمين بمستوى أكبر من تحول مستوى العرض، فإن ذلك سيقود إلى إرتفاع سعر صرف الدينار مقابل الدولار.

 

قد يكون للتغييرات في سعر الصرف نوعان من التأثير على الطلب على العملة المحلية: تأثير الثروة وتأثير استبدال العملة. يهمنا هنا نوع التأثير الثاني. قد تولد تحركات أسعار الصرف تأثيراً لاستبدال العملة، حيث تلعب توقعات المستثمرين دوراً حاسماً في الأمر. إذا توقع الناس بأن سعر الصرف من المحتمل أن ينخفض أكثر بعد انخفاضٍ مبدئي (ويبدو أن هذا هو ما يحدث في العراق الآن)، فسوف يستجيبون لذلك من خلال زيادة حصة الأصول الأجنبية في ما يحتفظون به من أموال. يؤدي ذلك إلى زيادة عرض العملة المحلية للحصول على العملة الأجنبية بسبب ارتفاع تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بالعملة المحلية، مما يعني انخفاض سعر صرف العملة المحلية. لذلك، يمكن استخدام استبدال العملة للتحوط ضد هذه المخاطر. في هذا الصدد ، من شأن انخفاض سعر الصرف أن يقلل من الطلب على العملة المحلية.

* أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة ولاية كنساس، الولايات المتحدة الأمريكية.

   

 

  

 

    

 


مشاهدات 1177
أضيف 2021/01/10 - 10:18 AM
تحديث 2024/03/29 - 12:09 AM

طباعة
www.Economy-News.Net